وخامسا: لو أغمضنا عن جميع ذلك، والتزمنا بالاشكال - وهو لزوم تحقق الإضافة بدون الطرف - فمنشأ ذلك ليس عدم التوالي بين الايجاب والقبول، بل منشؤه نفس الايجاب وإن كان مقارنا للقبول، فإن الخلع واللبس فعل الموجب، فبتمامية الايجاب قبل القبول ولو آنا ما يلزم ذلك.
وبعبارة أخرى: لو كان المراد من الخلع واللبس، الواقع منهما الحاصل بعد القبول، فلا فرق بين حصول التوالي وعدمه، فإن الخلع واللبس لا يحصلان قبل القبول حتى يلزم المحذور، وبعده لا محذور، ولو كان المراد منه الخلع واللبس الايقاعي فهو حاصل بنفس الايجاب، فيلزم المحذور وإن حصل التوالي.
والسر في جميع هذه الاشكالات: أنه قاس المقام بباب العقليات، وأن المعاوضة من قبيل الخلع واللبس، والحال أنه - مع ما ذكرنا في الأصل في العقليات - القياس ليس في محله، فإن الباب عقلائي لا عقلي، والعقلاء يرون البيع - مثلا - المبادلة بين المالين، أو تمليك المال بالعوض، والمالك بسلطنته على ملكه مسلط على هذا التمليك، وهذا سالم عن الاشكالات السابقة، ويعتبر العقلاء تحقق المعاملة بتمامية الايجاب والقبول مع التوالي وعدمه.
وبعبارة أخرى: البيع - بنظرهم - يحتاج إلى إعمال المالك سلطنته بتمليك ماله للآخر بالعوض، وإعمال الآخر سلطنته بقبول ذلك على القول باعتباره، ولا يرى في البين محذورا عقليا من عدم حصول التوالي بينهما، على أنا في فسحة من هذا الاشكال، فإن القبول غير معتبر عندنا، والمعاوضة وإن كانت من الخلع واللبس، إلا أن إيقاع ذلك ليس إلا فعل الموجب، فبنفس الخلع يحصل اللبس بلا حاجة إلى القبول. نعم، يشترط - في حصول ذلك واقعا - رضا المشتري، وهذا أمر آخر غير مرتبط بحقيقة المعاملة وما هو مركز الاشكال، وهو الخلع واللبس الايقاعيان لا الواقعيان، وإلا فلا يلزم إشكال بوجه، كما مر.