مناط حكمه فعلا، وموضوع حكمه كذلك مما لا يكاد يتطرق إليه الاهمال والاجمال، مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا، وهو ما قام به ملاك حكمه واقعا، فرب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله، فبدونها لا استقلال له بشئ قطعا، مع احتمال بقاء ملاكه واقعا. ومعه يحتمل بقاء حكم الشرع جدا لدورانه معه وجودا وعدما، فافهم وتأمل جيدا.
ثم إنه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقا، وعدم حجيته كذلك، والتفصيل بين الموضوعات والاحكام، أو بين ما كان الشك في الرافع وما كان في المقتضي، إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة، على أقوال شتى لا يهمنا نقلها ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها، وإنما المهم الاستدلال على ما هو المختار منها، وهو الحجية مطلقا، على نحو يظهر بطلان سائرها، فقد استدل عليه بوجوه:
الوجه الأول: استقرار بناء العقلاء من الانسان بل ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة، وحيث لم يردع عنه الشارع كان ماضيا.
وفيه: أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبدا، بل إما رجاء واحتياطا، أو اطمئنانا بالبقاء، أو ظنا ولو نوعا، أو غفلة كما هو الحال في سائر الحيوانات دائما وفي الانسان أحيانا.
وثانيا: سلمنا ذلك، لكنه لم يعلم أن الشارع به راض وهو عنده ماض، ويكفي في الردع عن مثله ما دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم، وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات، فلا وجه لاتباع هذا البناء فيما لابد في اتباعه من الدلالة على إمضائه، فتأمل جيدا.