ومن البيان المزبور ظهر أيضا بطلان الالتزام بكون مفاد الخطابات أيضا صرف البناء القابل للتعلق بالمحال. [إذ] العقل يأبى من حكمه باستحقاق العبد على صرف البناء المزبور بلا إرادة أصلا للعقوبة أو المثوبة.
كما أن توهم ان الإرادة [تقتضي] عدم العصيان لعدم صلاحية انفكاكه عن المراد أيضا في غاية السخافة وذلك لان متعلق الإرادة إذا كان الفعل بتوسط اختيار عبده من قبل نفسه فيستحيل قلب هذه الإرادة العمل عن الاختيارية إلى المجبورية في عالم الايجاد لعدم صلاحية الإرادة لقلب موضوعه، كيف وهو خلف محض.
وحينئذ إذا بقي [الفعل] بعد الإرادة المزبورة على [الاختيارية] فيبقى له حينئذ بعده أيضا هذا الشأن من أنه " له ان يفعل وله أن لا يفعل "، ومعلوم ان مثل هذا الشأن ملازم لان يكون له تركه، والا فيلزم أخذ الإرادة الأزلية مثل هذا الشأن منه فيخرج اختياره حينئذ عن التوسيط وهو خلف محض.
وبذلك البيان ظهرت النكتة الفارقة بين الإرادة التكوينية والتشريعية حيث إن الإرادة التكوينية إنما [تتعلق] بشئ بنحو يكون سالب الاختيار ولو من جهة سلب مبادئ اختياره من القدرة أو العلم بالمصلحة وغيرها، بخلاف الإرادة التشريعية [فإنها] إنما [تتعلق] بالفعل الاختياري بوصف اختياريته، ومثل ذلك يستحيل أن يكون سالب مبادئ اختياره، ومع عدم سلبها يبقى اختياره بعد الإرادة بحالها، وحينئذ له أن يطيع مولاه وله ان يعصي، غاية الأمر عقله يستقل بحسن اطاعته وقبح معصيته وباستحقاق العقوبة على الثاني والمثوبة على الأول.
ولك أن تقول أيضا بان الإرادة التكوينية ما هو الحافظ لوجود الشئ على الاطلاق ولو بسلبه مبادئ اختياره على خلافها، والإرادة التشريعية ما كان لوجوده من قبل مبادئ اختياره من حفظ قدرته واعلامه بالمصلحة بمثل خطابه