ولأنها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فلم يجز أخذ الأجرة عليها، كالصلاة والصوم.
والرقية قضية في عين، فتختص بها.
وأما بناء المساجد فلا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، ويجوز أن يقع قربة وغير قربة، فإذا وقع بأجرة لم يكن قربة ولا عبادة، ولا يصح هنا أن يكون غير عبادة، ولا يجوز الاشتراك في العبادة، فمتى فعله من أجل الأجرة خرج عن كونه عبادة، فلم يصح.
ولا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الأجرة، كالقضاء والشهادة والإمامة يؤخذ عليها الرزق من بيت المال، وهو نفقة في المعنى، ولا يجوز أخذ الأجرة عليها (1).
ونمنع أنه إذا فعل من أجل أخذ الأجرة خرج عن كونه عبادة، وإنما يتحقق ذلك لو لم يقصد سوى أخذ الأجرة، أما إذا جعله جزء المقصود فلا.
وفائدة الخلاف: أنه متى لم يجز أخذ الأجرة عليها فلا يكون إلا نائبا محضا، وما يدفع إليه من المال يكون نفقة لطريقه، فلو مات أو أحصر أو مرض أو ضل الطريق، لم يلزمه الضمان لما أنفق، لأنه إنفاق بإذن صاحب المال، قاله أحمد (2)، فأشبه ما لو أذن له في سد بثق فانفتق ولم ينسد.
وإذا ناب عنه آخر، فإنه يحج من حيث بلغ النائب الأول من الطريق، لأنه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه، فلم يكن عليه الإنفاق دفعة أخرى، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق، فإنه يحج عنه من حيث انتهى، وما فضل معه من المال رده إلا أن يؤذن له في أخذه، وينفق على نفسه