واحد من بني النوع يشتهي ما يحتاج إليه، ويغضب على من يزاحمه في ذلك، وتدعوه شهوته وغضبه إلى الجور على غيره، فيقع من ذلك الهرج والمرج، ويختل أمر الاجتماع، مع أن الاجتماع ضروري لنوع الإنسان، فإن كل شخص لا يمكنه أن يعيش وحده، لافتقاره إلى غذاء وملبوس ومسكن، وكلها صناعية لا يمكن أن تصدر عن صانع واحد إلا في مدة لا يمكن أن يعيش تلك المدة فاقدا لها، أو يتعسر إن أمكن، وإنما يتيسر لجماعة يتعاونون ويتشاركون في تحصيلها، يفرغ كل واحد منهم لصاحبه عن بعض ذلك، فيتم النظام بمعاوضة عمل بعمل ومعاوضة عمل بأجرة، فلهذا قيل: الإنسان مدني بالطبع، فلا بد حينئذ من سلطان قاهر، مطاع، نافذ الأمر، متميز عن غيره من بني النوع، وليس نصبه مفوضا إليه، وإلا وقع المحذور، ولا إلى العامة، لذلك أيضا، بل يكون من عند الله تعالى.
ولا يجوز وقوع الخطأ منه، وإلا لوجب أن يكون له إمام آخر، ويتسلسل، فلهذا وجب أن يكون معصوما.
ولأنه تعالى أوجب علينا طاعته وامتثال أوامره، لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * (1) وذلك عام في كل شئ، فلو لم يكن معصوما، لجاز أن يأمر بالخطأ، فإن وجب علينا اتباعه، لزم الأمر بالضدين، وهو محال، وإن لم يجب، بطل العمل بالنص.
ويجب عندهم أن يكون معصوما من أول عمره إلى آخره، لسقوط محله