ماله ونفسه، وكالاعتراف بالبيع كوسيلة لنقل الثروة، لكنها جعلت له شروطا لم تكن موجودة عند العرف كأن يكون المبيع مملوكا ومعلوما، والبائعان عاقلين مختارين، وأمثال ذلك.
وينبغي أن نلفت النظر إلى أن العرف ليس مصدرا للتشريع - كما يتوهمه البعض - بل التشريع لله تعالى، ولمن ارتضاه، أحيانا. نعم الشريعة قد تقرر ما هو الموجود عند العرف، وهذا ليس بمعنى جعل العرف مصدرا للتشريع، بل إرجاع إليه في تشخيص موضوعات الأحكام من ناحية مفهومية أو مصداقية، مثل معرفة الغناء من الناحيتين المفهومية والمصداقية، أو تغير الماء أو تشخيص الضرر الذي يرتفع به الحكم الأولي، وأمثال ذلك.
كانت هذه الملامح العامة للقواعد التي جعلت الشريعة مرنة يمكن ادعاه قدرتها على حل مشاكل الإنسان، والتفصيل موكول إلى مجال آخر.
والذي تجدر إليه الإشارة هو: أن حدود هذه الانقسامات أمر دقيق جدا، وربما التبس على بعضهم فأخذ يتخبط تخبطا عشوائيا حتى أوقعه ذلك في بعض الشبهات، فادعى: أن غالب الأحكام الشرعية متغيرة ولم يوجد من الأحكام الثابتة إلا القليل، فاشتبه الأمر عليه بين الأحكام الثابتة والمتغيرة، وبين الأحكام الأولية وثانوية، فحرمة الخمر من الأحكام الثابتة، ولا يجرأ أحد أن يدعي - يوما ما - حليتها شرعا، ولكن هذه الخمر قد تصير حلالا بسبب الاضطرار أو الإكراه أو غير ذلك من العوامل التي تغير الحكم من الحكم الأولي إلى الثانوي، وقس على ذلك غيرها.
وقد توهم بعضهم إمكان تغيير الحكم الأولي إلى الثانوي بمجرد الاستحسانات الواهية، وهذا فيه من الخطورة ما لا يخفى على من له أدنى معرفة بالشريعة المقدسة، والاعتراف بمثل هذه الرؤية لا يبقى حجرا على حجر.