العبادات الواجبة والحقوق اللازمة فرض عين لا يعذر أحد في تركه، وليس له حد يقف عنده، بل كلما احتاج إلى حكم يجب عليه السؤال عنه، وهذا معنى قول أصحابنا الحلبيين: إن الاجتهاد واجب عيني... " (1).
ومهما يكن فالجامع بين الرأيين هو القول بوجوب الاجتهاد، ولكن مع اختلاف في تفسير الاجتهاد لاختلاف مبادئه، كما تقدمت الإشارة إليه. نعم، اختلف الفقهاء والأصوليون بصورة عامة في نوع الوجوب.
نوع وجوب الاجتهاد:
إن الجهة التي ننظر منها إلى الاجتهاد قد تختلف، وبالنتيجة تختلف نوعية الوجوب، فإن هناك لحاظين وحيثيتين للاجتهاد.
ألف - لحاظ الحاجة إلى الاجتهاد لإحراز فراغ الذمة من التكاليف الموجهة إلى المكلف.
ب - لحاظ الحاجة إليه للفتيا أو للحكم والقضاء في كل عصر.
أولا - وجوبه بلحاظ تفريغ الذمة:
اعتبره بعض الفقهاء بهذا اللحاظ من قبيل الوجوب التخييري، يقول السيد اليزدي:
" يجب على كل مكلف في عباداته وفي معاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا " (1).
وتوجيه ذلك: إن الطرق العادية للحصول على الحكم الشرعي منحصرة في ثلاثة وهي:
1 - الاحتياط: بأن يعمل بكل محتملات التكليف بحيث يحرز الواقع.
2 - التقليد: بأن يقلد من كان له علم بالتكليف (أي ما هي الوظيفة الفعلية).
3 - الاجتهاد: بأن يجتهد ويحصل هو على العلم بالتكليف.
ثم إنهم اختلفوا في مصدر هذا الوجوب على ثلاثة أقوال:
الأول - إن مصدره الفطرة:
وذلك لأن الإنسان يدرك بفطرته " لزوم دفع الضرر المحتمل " فهو يبني كثيرا من حساباته اليومية على ذلك.