فقد قام - هذا الفقيه - على ساقيه، مشمرا عن ساعديه، ومتمثلا بقول علي عليه السلام: " أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال "، ويقول الجاحظ: " ما على الناس شر أشر من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئا " (1)، وبكلام آخرين مما يهيج بعزيمة الإنسان نحو التحقيق، فقال: إن طريق الحق عنده: " إما كتاب الله سبحانه أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله المتواترة المتفق عليها، أو الإجماع، أو العقل، فإذا فقدت الثلاثة فالمعتمد في المسائل الشرعية عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة:
التمسك بدليل العقل فيها، فإنها مبقاة عليه، وموكولة إليه... " (2). ثم قال في نهاية المطاف:
" فعلى الأدلة المتقدمة أعمل، وبها آخذ وأفتي وأدين الله تعالى، ولا ألتفت إلى سواد مسطور، وقول بعيد عن الحق مهجور، ولا أقلد إلا الدليل الواضح، والبرهان اللائح، ولا أعرج إلى أخبار الآحاد... " (3).
وابن إدريس وإن أعطى زخما جديدا للحركة الاجتهادية، لكنه لم تدم طريقته، لأنه كان يرفض العمل بالخبر الواحد غير المحفوف بالقرينة كما كان يرفضه الشيخ المفيد والسيد المرتضى قدس سرهما من قبله، وسديد الدين الحمصي وابن زهرة قدس سرهما من معاصريه، فهؤلاء كلهم ما تمكنوا من تثبيت طريقتهم وفي الفقه، بل كان النجاح للطريقة المعاكسة التي اتبعها الشيخ الطوسي قدس سره ومن تبعه، وهي الاعتماد على خبر الواحد المعتبر وإن لم يكن محفوفا بالقرينة، ولا زالت هذه الطريقة هي المتبعة إلى اليوم.
ومهما يكن فقد جاء بعد ابن إدريس الحلي قدس سره دور المحقق الحلي قدس سره المتوفى (676) فكان له الدور الكبير في إحياء الاجتهاد على طريقة الشيخ، والاعتماد