إلا أن يقال - في جعل الاستعمال وضعا -: إنه يدل عليه مقدمات الحكمة فيما لا علاقة مصححة للتجوز، لكنه ينحصر في مورد عدم العلاقة المصححة لقرينة المجاز; وأما أصل القرينة فمفروض، وإلا لم يعلم إرادة ما يحتمل الوضع له بالاستعمال، أو يتعين ذلك، لانتفاء شرط التجوز; وكذا يمكن ذلك في مورد عدم الوضع السابق، فإنه لا محل للتجوز حينئذ.
فالاستعمال مع القرينة على المراد، يكشف عن الوضع المكشوف بلازمه، أعني الاستعمال مع عدم المحل للتجوز فيه; فالاستعمال من الحكيم الملاحظ لآداب المحاورة، يكشف عن الوضع، وحيث لا وضع سابقا فهو مقارن; وذلك، بعد تسلم معقولية جعل الملزوم بجعل اللازم، كما في نظائر المقام، مثل قول المالك البايع «أعتق عبدي عنك بكذا» ايجابا، وقول المشتري: «أعتق عبدك عني بكذا» قبولا; فيمكن أن يكون الوضع الاعتباري منشئا بالاستعمال ومحققا به مقارنا له، وإن كان صحة الاستعمال وموافقته لقانون الوضع، متوقفا عليه، كتوقف صحة الاعتاق على التملك.
{تفرقة بين القرينة على الوضع والقرينة على المجاز} ثم إنه سبق: أن القرينة على كون المستعمل في مقام الوضع وإن توقفت على تعيين المراد في مقام الاستعمال، إلا أنها ليست قرينة على المجاز، لمكان تحققها فيما لا علاقة فيه بين المعنى اللغوي والمراد، بل مع عدم سبق الوضع رأسا ومع إرادة الوضع الثاني الاشتراكي الفاقد للعلاقة; بل قرينة المجاز، للصرف عن اللغوي والإثبات في المجازي والتعيين فيه; فهي قرينة على الاستعمال في فرد من الموضوع له النوعي; وقرينة إرادة الوضع للمعنى، قرينة على تأسيس المعنى، فلا يقاس إحداهما بالاخرى.