خلاف فيه بين الأصولي والأخباري، وإنما الخلاف في الواقع الخارجي، فإن الأصولي يقول: إن الالتزام بالبراءة بعد الفحص عن الدليل واليأس عنه ليس قولا بغير علم، بل إنه مستند إلى دليل وهو ما يدل على البراءة. كما أن الأخباري لا يرى القول بالاحتياط قولا بغير علم، بل قولا مستندا إلى ما يدل على الاحتياط (١).
٢ - قوله تعالى: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ (٢).
بتقريب: أن الاقتحام في الشبهة يجعل الإنسان في معرض الهلاك. ولكن رد ذلك:
أولا - من جهة أن الاحتمالات المتصورة في الآية ثلاثة:
ألف - أن تكون الآية خطابا مستقلا غير مرتبط بما تقدمه، فيكون مفادها ما تقدم وتدل على المطلوب.
ب - أن تكون الآية مرتبطة بما تقدمها من الآيات حيث دلت على الترغيب إلى الإنفاق - كما جاء في صدرها: (وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا...) فتكون الآية شرطا للإنفاق وتقييدا له، فيكون مفادها مفاد قوله تعالى: ﴿ولا تبسطها كل البسط﴾ (1). أي أنفقوا ولكن لا تنفقوا كل أموالكم بحيث تلقون أنفسكم إلى الهلاك والفقر.
ج - أن تكون الآية تكرارا سلبيا لما سبقها من الأمر بالإنفاق من قبيل: " صل أرحامك ولا تشغل نفسك بخصومتهم... " فيكون المقصود من الآية، إن ترك الإنفاق في سبيله تعالى يؤدي إلى الهلاك.
كانت هذه هي الاحتمالات المتصورة، وإنما يتم الاستدلال على الاحتمال الأول فقط، ومع هذه الاحتمالات وعدم تعيين الأول منها لم يتم الاستدلال.
ثانيا - وعلى فرض تعينه، فإنها سوف تكون إرشادا إلى الحذر من الوقوع فيما فيه الهلاك، ولا بد من تحقق عنوان الهلاك أولا لتشمله الآية، وذلك إنما يتحقق مع تنجز التكليف كما في موارد العلم التفصيلي بالتكليف والشك في الفراغ، وموارد العلم الإجمالي، أما في صورة الشك في أصل التكليف - كما في الشبهات