حتى اسودت فهي سوداء مظلمة. وهينها أليم: هان الشئ سهل ولان. والأليم:
الموجع قال الله تعالى: * (تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية * ليس لهم طعام إلا من ضريع) *.
وبعيدها قريب: يحتمل وجوها: أحدها أن يكون المراد بالبعيد ما يستبعد وقوعه، والمعنى أن ما تستبعد العقول من أمرها قريب الوقوع فيها لا بعد فيه، وبه فسر قوله تعالى: * (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) *.
ثانيها: أن البعيد منها مكانا لا يمنعه بعده من إصابة حرها وعذابها بل هو قريب بالنسبة إليها، كما روي لو أن رجلا كان بالمشرق وجهنم بالمغرب ثم كشف عن غطاء منها لغلت جمجمته وفي رواية لو كان أحدكم بالمشرق وكانت النار بالمغرب ثم كشف عنها لخرج دماغ أحدكم من منخريه من شدة حرها.
وثالثها: أن يكون تلميحا إلى قوله تعالى في العنكبوت: * (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * أي محيطة بهم الآن، تنزيلا لشئ سيقع عن قريب منزلة الواقع. وقيل: هو على حقيقته من معنى الحال، فإن مبادي إحاطة النار بهم من الكفر والمعاصي المتشكلة في هذه النشأة بصورة الأعمال والأخلاق هي بعينها جهنم التي ستظهر عليهم في النشأة الأخروية بصورة النار وعقاربها وحياتها كما نص عليه كثير من أرباب العرفان.
وقد تقدم في " زكا ": الباقري (عليه السلام) الذي يمنع الزكاة يحول الله تعالى ماله يوم القيامة شجاعا من نار له ريمتان فتطرقه، ثم يقال له ألزمه كما لزمك في الدنيا، وهو قول الله: * (سيطوقون ما بخلوا به) *.
قوله (عليه السلام) ومن نار يأكل بعضها بعض. الأكل حقيقة بلع الطعام بعد مضغه، وهنا استعير للإحراق صال على قرنه حمل عليه. أبقيت عليه: إذا رحمته وأشفقت عليه.
النكال: العقوبة. والوبال: سوء العاقبة. وتكرير ذكر النار مع أن المراد بها نار واحدة للإيذان بأن كل واحدة من الصفات المذكورة هايلة خطيرة جديرة بأن يفرد لها موصوف مستقل ولا تجعل كلها لموصوف واحد. فعزفوه انفتح.