إعلم أنه لا خلاف في حقية الميزان، وقد نطق به صريح القرآن في مواضع لكن اختلف المتكلمون من الخاصة والعامة في معناه، فمنهم من حمله على المجاز وأن المراد من الموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها ووضع كل جزاء في موضعه، وإيصال كل ذي حق إلى حقه، ذهب إليه الشيخ المفيد وجماعة من العامة، والأكثرون منا، ومنهم حملوه على الحقيقة وقالوا: إن الله ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة، فتوزن به أعمال العباد والحسنات والسيئات.
واختلفوا في كيفية الوزن لأن الأعمال أعراض لا تجوز عليها الإعادة ولا يكون لها وزن ولا تقوم بأنفسها، فقيل: توزن صحائف الأعمال. وقيل: تظهر علامات للحسنات، وعلامات للسيئات في الكفتين فتراها الناس. وقيل: تظهر للحسنات صور حسنة، وللسيئات صور سيئة، وهو مروي عن ابن عباس.
وقيل: بتجسم الأعمال في تلك النشأة، وقالوا: بجواز تبدل الحقائق في النشأتين كما في النوم واليقظة. وقيل: توزن نفس المؤمن والكافر. وقيل: الميزان واحد والجمع باعتبار أنواع الأعمال والأشخاص. وقيل: الموازين متعددة بحسب ذلك.
وقد ورد في الأخبار أن الأئمة (عليهم السلام) هم الموازين القسط، فيمكن حملها على أنهم الحاضرون عندها والحاكمون عليها، وعدم صرف ألفاظ القرآن عن حقائقها بدون حجة قاطعة أولى (1).
وسد: العلوي (عليه السلام): لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم. ثني الوسادة: كناية عن التمكن في الأمر لأن الناس يثنون الوسائد للأمراء والسلاطين ليجلسوا عليها (2).