الآخرة إلى الهاوية، وقد عظم الله ذم اتباع الهوى، فقال: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * وقال: * (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) * * (واتبع هواه وكان أمره فرطا) *. إنتهى.
قال المجلسي: ينبغي أن يعلم أن ما تهواه النفس ليس كله مذموما وكذلك العكس، بل المعيار أن كل ما يرتكبه الإنسان لمحض الشهوة النفسانية واللذة الجسمانية والمقاصد الدنيوية، ولم يكن الله مقصودا له في ذلك، فهو من الهوى المذموم، وإن كان مشتملا على زجر النفس عن بعض المشتهيات أيضا كمن يترك لذيذ المأكل والملبس، ويقاسي الجوع والصوم والسهر للاشتهار بالعبادة، وجلب قلوب الجهال. وما يرتكبه الإنسان لإطاعة أمره سبحانه وتحصيل رضاه وإن كان مما تشتهيه نفسه وتهواه، فليس هو من الهوى المذموم كمن يأكل ويشرب لأمره تعالى بهما أو لتحصيل القوة على العبادة، كمن يجامع الحلال لتحصيل ولد صالح أو لعدم ابتلائه بالحرام.
فهؤلاء وإن حصل لهم الإلتذاذ بهذه الأمور لكن ليس مقصودهم محض اللذة، بل لهم في ذلك أغراض صحيحة إن صدقتهم أنفسهم. ولو لم يكن غرضهم من ارتكاب تلك اللذات هذه الأمور، فليسوا بمعاقبين في ذلك إذا كان حلالا لكن إطاعة النفس في أكثر ما تشتهيه قد ينجر إلى ارتكاب الشبهات والمكروهات، ثم إلى المحرمات ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.
فظهر أن كل ما تهواه النفس ليس مما يلزم اجتنابه، فإن كثيرا من العلماء قد يلتذون بعلمهم أكثر مما يلتذ الفساق بفسقهم، وليس كل ما لا تشتهيه النفس يحسن ارتكابه، كأكل القاذورات والزنا بالجارية القبيحة، ويطلق أيضا الهوى على اختيار ملة أو طريقة أو رأي لم يستند إلى برهان قطعي أو دليل من الكتاب والسنة كمذاهب المخالفين وآرائهم وبدعهم. إنتهى ملخصا (1).