أظهر الموجودات وأجلاها هو الله، لمعنى لا تفهمه إلا بمثال هو: أنا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط مثلا، كان كونه حيا من أظهر الموجودات، فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة، إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه، وكل ذلك لا نعرفه، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها، وبعضها نشك فيه، كمقدار طوله، واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته بخلاف حياته وقدرته وإرادته وعلمه فإنه جلي عندنا، ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته.
إلى أن قال: وجميع ما في العالم شواهد ناطقة، وأدلة شاهدة، بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها، ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته. فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس يشهد له إلا شاهد واحد، وهو ما أحسسنا من حركة يده، فكيف لا يظهر عندنا من لا يتصور في الوجود شئ داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها، ولا حركتها بذاتها وإنما تحتاج إلى موجد ومحرك لها - إلى آخر ما قال.
وفي آخره: ولذلك قيل:
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد * إلا على أكمه لا يعرف القمرا لكن بطنت بما أظهرت محتجبا * فكيف يعرف من بالعرف استترا في كلام سيد الشهداء (عليه السلام) ما يرشدك إلى هذا العيان، بل يغنيك عن هذا البيان، حيث قال في دعاء عرفة: كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك.
عميت عين لا تراك، ولا تزال عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا (1).