ظاهر الأرض ونشره، وأكثر ما يفعل ذلك ليلا في ضوء القمر، ويقال: إن حياته ليست من قبل ما يأكله ولا قوامه، وذلك أنه ليس له جوف ينفذ فيه الطعام، ولكنه مقطوع نصفين، وإنما قوته إذا قطع الحب في استنشاق ريحه فقط وذلك يكفيه.
وقيل: ليس شئ يخبأ قوته إلا الإنسان والعقعق والنمل والفأر. ويقال: إن للعقعق مخابي إلا أنه ينساها. والنمل شديد الشم، ومن أسباب هلاكه نبات أجنحته فإذا صار النمل كذلك أخصبت العصافير لأنها تصيدها في حال طيرانها وقد أشار إلى ذلك أبو العتاهية بقوله:
وإذا استوت للنمل أجنحة * حتى تطير فقد دنا عطبه وكان الرشيد يتمثل بذلك كثيرا عند نكبة البرامكة. ومن عجائبه اتخاذ القرية تحت الأرض وفيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات معلقات تملأها حبوبا وذخائر للشتاء.
كان عدي بن حاتم يفت الخبز للنمل ويقول: إنهن جارات ولهن حق الجوار.
وعن الفتح بن خرشف الزاهد أنه يفت الخبز لهن في كل يوم فإذا كان يوم عاشوراء لم تأكله.
وليس في الحيوان ما يحمل ضعف بدنه مرارا غيره، حتى أنه تتكلف حمل نوى التمر وهو لا ينتفع به، وإنما يحمله على الحرص والشره وهو يجمع غذاء سنين لو عاش ولا يكون عمره أكثر من سنة (1).
روي أن النملة التي خاطبت سليمان أهدت إليه نبقة فوضعها في كفه، فقالت:
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله * وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله ولو كان يهدى للجليل بقدره * لقصر عنه البحر حين يساحله ولكنا نهدي إلى من نحبه * فيرضى به عنا ويشكر فاعله وما ذاك إلا من كريم فعاله * وإلا فما في ملكنا ما يشاكله فقال سليمان: بارك الله فيكم فهو بتلك الدعوة أكثر خلق الله تعالى.