نهج البلاغة، تنبيه الخاطر: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم فإنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا، فرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه والعثرة تدميه والرمضاء تحرقه، فكيف إذا كان بين طابقين من نار ضجيع حجر وقرين شيطان؟ أعلمتم أن مالكا إذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبه؟ وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعا من زجرته؟ أيها اليفن الكبير الذي قد لهزه القتير كيف أنت إذا التحمت أطواق النار بعظام الأعناق، ونشبت الجوامع حتى أكلت لحوم السواعد؟ فالله الله معشر العباد وأنتم سالمون في الصحة قبل السقم، وفي الفسحة قبل الضيق، فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها.
بيان: الطابق كهاجر وصاحب: الأجر الكبير. واليفن بالتحريك: الشيخ الكبير.
ويقال: لهزه أي خالطه. والقتير كأمير: الشيب أو أوله نشب أي علق. والجوامع جمع جامعة وهي الغل لأنها تجمع اليدين إلى العنق (1).
نقل مولانا الصادق (عليه السلام) إخبار جمع لمولانا الباقر (عليه السلام) باحتراق داره مكررا وفي كل مرتبة يقول: والله ما احترقت، فرأوا أن النار مشتعلة في أطراف منازلهم فسجد ودعا فطفئت النار، قال الصادق: واحترق ما حولها وسلمت منازلنا (2).
أمر موسى الكاظم (عليه السلام) بجمع الحطب الكثير في وسط داره وكان معه جماعة كثيرة من وجوه الإمامية، فأرسل إلى أخيه عبد الله أن يجئ فجاء فأمر بالقاء النار في ذلك الحطب فاحترق كله، ثم قام موسى (عليه السلام) وجلس بثيابه في وسط النار، فأقبل يحدث الناس ساعة، ثم قام ونفض ثوبه وقال لأخيه عبد الله: إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس، يعني في النار، فتغير لونه، فقام يجر ردائه وخرج (3).