ظهره فخرجوا كالذر، فأشهدهم على أنفسهم، وعرفهم نفسه، وأخذ منهم الميثاق على الربوبية، فتمت بذلك الحجة عليهم يوم القيامة، كما صرح بهذه الدلالة المفسرون:
منهم العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، سورة الأعراف ذيل الآيتين:
وأما الوجوه التي ذكرها النافون لعالم الذر في إبطال دلالة الآيتين فنقلها ستة، وأنا أذكرها ملخصا: الأول أن هذه الذرية عقلاء أم غير عقلاء، فإن كانوا غير عقلاء فلا يصح تكليفهم بشئ، وإن كانوا عقلاء فوجب أن لا ينسوه لأن الحجة إنما تثبت إذا ذكرها لا إذا نسيها.
الثاني لا يجوز أن ينسى كلهم حتى لا يذكره واحد منهم، وليس العهد بذلك أطول من عهد أهل الجنة بحوادث مضت عليهم في الدنيا كما في قوله تعالى:
* (قال قائل منهم إني كان لي قرين) *. وحكي نظير ذلك من أهل النار كقوله تعالى:
* (وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) *.
ولو جاز النسيان على هؤلاء مع كثرتهم لجاز أن يكون الله كلف خلقه فيما مضى من الزمان ثم أعادهم ليثيبهم، أو ليعاقبهم جزاء لأعمالهم التي فعلوها في الزمن الأول وقد نسوا ذلك، ولازم ذلك صحة قول التناسخية أن المعاد هو خروج النفس عن بدنها ثم دخولها في بدن آخر لتجد في الثاني جزاء ما عمله في الأول.
الثالث ما أوردوه على الأخبار المثبتة بأن الله قال: * (من بني آدم) * ولم يقل من آدم، وقال: * (من ظهورهم) * ولم يقل من ظهره، وقال: * (ذريتهم) * ولم يقل ذريته، ثم أخبر أنه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة: * (إنا كنا عن هذا غافلين) * أو يقولوا: * (إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) * - الآية. وهذا يقتضي أن يكون لهم آباء مشركون، فلا يتناول ظاهر الآية أولاد آدم لصلبه، ومن هنا قال بعضهم: إن الآية مختصة ببعض بني آدم ولا تشمل آدم وولده لصلبه وجميع المؤمنين والمشركين الذين ليس لهم آباء مشركون، بل تختص بالمشركين الذين لهم آباء مشركون.