على راياتهم وأعلامهم وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت، ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا، وانكسفت الشمس بالنقيع وثار القطام والقسطل فظلت الألوية والرايات.
وأخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القرار بالأقدام على التي يليها، فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلوا لله الصلاة، فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره وافترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الهرير المشهورة.
وكان الأشتر في ميمنة الناس وعلي (عليه السلام) في القلب والناس يقتلون، ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع النهار والأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام: إزحفوا قيد رمحي هذا ويلقي رمحه، فإذا فعلوا ذلك قال:
إزحفوا قاب هذه القوس فإذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس من الأقدام.
وقال عمار: مر بي الأشتر فأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه، فقال: شدوا فداء لكم عمي وخالي شدة ترضون بها الله تعالى وتعزون بها الدين فإذا أنا حملت فاحملوا، ثم نزل يضرب وجه دابته وقال لصاحب رايته: أقدم فتقدم بها، ثم شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى انتهى إلى معسكرهم، فقاتلوا عنده قتالا شديدا وقتل صاحب رايتهم وأخذ علي (عليه السلام) لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال... فلما رأى ذلك معاوية دعا عمرو بن العاص فاستدعى منه حيلة لذلك قال: ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بيننا وبينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم وإني لم أزل أدخر هذا الأمر لوقت حاجتك فصدقه معاوية...