الثاني، وذلك مثل حظر الظلم، وإباحة العدل (والإباحة - هنا - بمعنى رفع الحظر)، وما لا يستقل العقل بقبحه أو حسنه مثل حيازة المباحات فبحثوا عن أن الأصل في مثل ذلك هل هو الحظر أو الإباحة؟ أو الوقف؟ ذهب إلى كل جماعة منهم، وكذا فقهاؤنا فخصوا النزاع في غير المستقلات العقلية، وذهب إلى كل من الأقوال الثلاثة، جماعة منهم. ويؤيد ذلك كلمات الفقهاء كالشيخ الطوسي في العدة، والمحقق الحلي في المعارج، والشيخ الأنصاري في الفرائد، قال المحقق:
" اتفق أهل العدل على قبح التصرف فيما فيه مضرة خالية من نفع، وكذا ما لا منفعة فيه، وكذا ما علم وجه قبحه كالظلم، واختلفوا فيما عدا ذلك مما ينتفع به ولا يعلم كونه واجبا ولا مندوبا... " (1).
وقال الشيخ: "... ولذا خصوا النزاع في الحظر والإباحة في غير المستقلات العقلية بما كان مشتملا على منفعة وخاليا عن أمارة المفسدة، فإن هذا التقييد يكشف عن أن ما فيه أمارة المضرة لا نزاع في قبحه " (1)، وهكذا...
ويمكن تفسير " القبلية " على نحوين:
1 - القبلية الزمانية: بمعنى أنه هل يحكم العقل - قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - بقبح تصرفات العباد ما لم يستقل العقل بحسنها أو لا؟
2 - القبلية الرتبية: بمعنى أن العقل هل يحكم - مع غض النظر عن التشريع ولو في زماننا هذا - بقبح تصرفات العباد ما لم يستقل العقل بحسنها أو لا؟
وبناء على ذلك فما ثبت فيه حكم شرعي - من الوجوب أو الحرمة أو... - يخرج من هذا الأصل، وما لم يثبت يبقى تحته سواء قلنا بالحظر أو الإباحة.
يرى المحقق النائيني أن القبلية - هنا - قبلية رتبية - وسوف يأتي بيانه في موضوع: الفرق بين الإباحة والبراءة - ولكن كثيرا من العبارات قد خلطت بين الأمرين، ويبدو أن الأرجح هو ما ذهب إليه المحقق النائيني.