كأنه استنبط بقياس هندسي، ثم هو في دائرة مسدسة لا يوجد فيها اختلاف، فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة، لا يمكن لعقلاء البشر بناء مثل تلك البيوت إلا بالأدوات والآلات كالمسطر والفرجار. ثم إنه ثبت في الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بأشكال سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة ما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة.
وثبت أيضا أن أوسع الأشكال وأحوالها المسدس، فإن المربع يخرج منه زوايا ضائعة، وشكل النحل مستدير مستطيل فترك المربع حتى لا يبقى الزوايا فارغة، فاهتداء تلك الحيوان إلى هذه الحكمة الخفية بغير آلة ولا فكرة من أثر صنع اللطيف الخبير وإلهامه إياها، كما قال تعالى: * (أن اتخذي من الجبال بيوتا) * (1).
قال في الاحياء: انظر إلى النحلة كيف أوحى الله إليها حتى اتخذت من الجبال بيوتا، وكيف استخرج من لعابها الشمع والعسل وجعل أحدهما ضياء والآخر شفاء؟ ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار والأنوار واحترازها من النجاسات والأقذار وطاعتها لواحد من جملتها وهو أكثرها شخصا وهو أميرها، ثم ما سخر الله تعالى أميرها من العدل والإنصاف بينها حتى إنه ليقتل على باب المنفذ كل ما وقع منها على نجاسة، لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيرا على نفسك وفارغا من هم بطنك وفرجك وشهوات نفسك. ثم دع عنك جميع ذلك فانظر إلى بنيانها بيتها من الشمع واختيارها من جميع الأشكال المسدس - الخ (2).
وتقدم في " عسل ": ما يناسب ذلك.
قال حكيم لتلامذته: كونوا كالنحل في الخلايا، قالوا: وكيف النحل؟ قال: إنها لا تترك عندها بطالا إلا أبعدته وأقصته من الخلية لأنه يضيق المكان ويفني العسل، ويعلم النشيط الكسل.
والنحل يسلخ جلده كالحيات، وتوافقه الأصوات اللذيذة المطربة، ويضره