والعفاف وكف الجوارح الأربع " (1)، فإن الظاهر من العفاف هي الحالة النفسانية، وكذا المراد من الكف ليس مجرد تحققه في زمان، بل المراد أن يكون وصف الكف ثابتا له بأن يوجد فيه الحالة الموجبة للكف، فإن الإنسان لا يعلم أنه كاف عفيف ما لم يحصل له الحالة النفسانية، ولا يصدقان بمجرد تحققهما في زمان ما، فالحالة الموجبة للكف هي العدالة، ولو لم يكن في الصحيحة إلا ذكر العفاف لكان كافيا في المقام من جهة أن العفة من الصفات النفسانية، والمراد بها ملكة التعفف عن القبائح.
ففي الحقيقة الدلالة فيها من وجهين:
الأول: أنه أخذ فيها العفة، وهي صفة نفسانية بل ملكة من الملكات، كما لا يخفى.
الثاني: أخذ الكف، حيث إن المراد تحققه على وجه يكون من الأوصاف الثابتة للشخص لا من الأفعال الحادثة الصادرة عنه في زمان من الأزمنة، ولا يكون ذلك إلا مع الحالة الموجبة.
لكن الذي يخطر بالبال في وجه ذكر هذه الأمور الثلاثة هو أن الستر بنفسه لا يكفي ما لم يتحقق العفاف، وأيضا لا يكفي في تحقق العدالة إلا بعد تحقق أثرها وهو الكف، فلو تحقق وصف العفة ومع ذلك لم يكف نفسه عن حرام فهو ليس بعادل، فالاجتناب فعلا معتبر في العدالة، ويقدح فيها ارتكاب القبائح ولو مع بقاء صفة العفة.
ولما كان ذكر كف الجوارح الأربع بقول مطلق موهما لاشتراط عدم مشاهدة المعصية منه أصلا عقبه بقوله: " ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد