فبقي من أفراد المفارقة الصورية: المفارقة للاضطرار، فهل يجوز مطلقا، أو لا يجوز مطلقا، بل لا بد من نية الانفراد حينئذ ليحصل المفارقة المعنوية أيضا، أو يفصل بين الاضطرار العقلي فيجوز كما لو عرض له ثقل في بدنه فعجز عن اللحوق به في الركوع، وبين الاضطرار الشرعي فلا يجوز مثل أن بقي عليه من الواجبات وقد ركع الإمام، أو يفصل بين المفارقة في خصوص جزء وبين المفارقة الملجئة إلى إتمام الصلاة قبل الإمام، فيجوز في الأول دون الثاني بل لا بد فيه من نية الانفراد؟ وجوه:
الظاهر الجواز مطلقا، لأن ما دل على وجوب المتابعة المنافي للتقدم أو التأخر من الأدلة اللفظية منصرفة إلى صورة الاختيار، بل هو - بحكم العقل الحاكم بقبح تكليف العاجز - مختص بها، بناء على أنها واجبة مستقلا وليست شرطا في صحة الجماعة، كما عليه المشهور.
وأما مع الاضطرار، فلأنه يرجع إلى تعارض أدلة وجوب ذلك الواجب أو الشرط مع ما دل على وجوب المتابعة بالعموم من وجه، والظاهر تقدم أدلة وجوب ذلك الواجب لقوتها وضعف دليل المتابعة لو كان لفظيا لقوة انصرافه إلى غير الفرض، ولو كان هو الإجماع فلا يسلم في الفرض فيسلم منه إطلاق ما دل على استحباب البقاء على الجماعة فيها بعد الشروع على الوجه المشروع، مضافا إلى أصالة بقائها.
هذا كله إذا عرض في الأثناء، وأما إذا علم في الابتداء بوقوعه فمقتضى استحباب الجماعة بقول مطلق واختصاص ما دل على وجوب المتابعة فيها بغير الفرض وعموم أدلة وجوب الواجبات والشروط حتى لمثل المقام، يدل على جواز الدخول مع الإمام والترخص في عدم المتابعة بتقديم أو تأخير إذا لم تنمح صورة الجماعة على ما هو الفرض.