على كونهما مغايرين للعدالة، لأنهما في سياق واحد.
وظهر بذلك ضعف ما يقال: من أن ظاهر الصحيحة أن الاجتناب طريق معرفة العدالة لا نفسها، فيكون من باب الاستدلال بالمعلول على العلة، وقد نفى الشبهة عن هذا الظهور بعض سادتنا المعاصرين (1).
وأنت خبير بأن ظاهر الصحيحة ليس إلا أنه يعرف العدالة بأن يعرف الرجل بالكف ويعرف بالاجتناب، وأن معرفة الكف والاجتناب سبب معرفة العدالة، وليس فيها دلالة على أن العدالة هو ما أوجب الاجتناب لا نفسه.
وحينئذ يمكن أن يقال: إن العدالة عبارة (2) عن الاستقامة الواقعية، وملكة العفة والتحرز - التي سموها بالعدالة - طريق إليها، لأن الحكم باستقامة الباطن في الماضي والحال والاستقبال لا يمكن إلا مع تحقق الملكة، إذ لا اطمئنان ببقاء الأحوال، فجعل الملكة دليلا عليها من قبيل الدليل اللمي، وحيث تعذر العلم بالملكة اكتفي بالاستقامة الظاهرية الموجبة للظن بالملكة الموجبة للظن باستقامة الباطن واقعا، الذي [هو] (3) محط نظر الشارع في اعتبار العدالة في الشهادات والجماعات، وهذا ظاهر لمن تأمل في أن غرض الشارع لا يتعلق أولا وبالذات إلا بتحقق صفة الطاعة والتحرز عن القبائح في الشاهد والإمام، ليطمئن بصدق الشاهد ويحرز الفضيلة بالاقتداء مع الإمام.