نعم هنا كلام آخر في أصل جواز استدارة المأمومين، من جهة كون الجماعة هيئة توقيفية لا بد من الاقتصار فيها على المتيقن، وهو ما إذا لم يتقدم المأموم على الإمام عرفا وإن لم يكن تقدم بالنسبة إلى الجهة التي توجها إليها أعني الكعبة.
بيانه: أن التقدم قد يلاحظ بالنسبة إلى جهة خاصة من الجهات المطلقة المنتهية إلى محدد الجهات، وبهذا الاعتبار يقال لكل من الإمام والمأموم المتقابلين: إنه متقدم على صاحبه بالنسبة إلى الجهة التي توجه إليها، وقد يلاحظ بالنسبة إلى جهة الكعبة، وحينئذ لا يصدق على أحد المتقابلين التقدم على صاحبه، لأنهما متوجهان معا إلى جهة واحدة، وحيث إن معاقد الإجماعات على عدم تقدم المأموم ظاهرة في إرادة التقدم العرفي، وهو الملحوظ بالنسبة إلى مطلق الجهة، ولا أقل من احتمالها له، وحينئذ فمجرد كون المأموم متقدما على الإمام باعتبار ملاحظة وجهة الإمام يكفي في البطلان وإن كان الإمام أيضا متقدما على المأموم بملاحظة وجهته، فتأمل.
وأما ما ادعاه في الذكرى من الإجماع عليه في كل الأعصار (1) فهو مسلم، إلا أن حجية تلك السيرة محل تأمل، لعدم كشفها عن رضا النبي أو أحد الأوصياء صلوات الله عليه وعليهم.
إلا أن يقال: عدم بلوغ النكير من واحد منهم عليهم السلام ولا من غيرهم من الصحابة والتابعين يكشف عن رضاهم عليهم السلام.
والمسألة لا تخلو من إشكال كمسألة صلاة المأموم في جوف الكعبة مع توجهه إلى الجهة المقابلة لجهة الإمام، والله العالم ثم رسوله ثم أوصياؤه الكرام صلوات الله عليهم.