أن معرفة الشخص بهذه الصفات موجب لمعرفة عدالته، كما يرشد إليه قوله عليه السلام - بعد قول السائل: بم يعرف عدالة الرجل؟ - قال عليه السلام ب " أن تعرفوه بالستر والعفاف " (1) على أن معرفته بالستر والعفاف طريق إلى معرفة عدالته، وأما أن العدالة من الصفات والملكات فلا، وكذلك الأخبار الأخر إنما دلت على اعتبار الصيانة والعفة ونحوها في الشاهد، لا أن هذه بعينها أو الحالة اللازمة المساوية لها هي العدالة، وحينئذ فيحتمل أن تكون العدالة عبارة عن استقامة الإنسان وعدم انحرافه واقعا عن طريقة الشرع إلا أن الشارع جعل هذه الصفات طريقا إلى الاستقامة المذكورة الواقعية، ولا ينافي ذلك جعل اجتناب الكبائر طريقا لمعرفة العدالة في قوله عليه السلام: " ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار " (2) لأن المراد من هذا الاجتناب هو الاجتناب - الظاهر للناس عند معاشرته ومخالطته - عن المعاصي التي تظهر للناس مثل قتل المسلم والإهانة بالمؤمنين (3) وشتمهم والظلم، وقد جعله الشارع طريقا إلى الحكم عليه بأنه مجتنب في الواقع عن الجميع حتى عن المعاصي الخفية، مثل: الإفطار في الخلوات ونكاح الحائض والسرقة عند الفرصة وبغض المؤمنين، فالاجتناب عن المعاصي التي تظهر للناس عند وجودها طريق إلى العدالة التي هي الاجتناب عن الجميع، مع أنه لو دل قوله: " يعرف باجتناب الكبائر " على مغايرة الاجتناب للعدالة لدل قوله عليه السلام: " بأن يعرفوه بالستر والعفاف "
(٢٦٠)