الضرورات تبيح المحظورات، وجميع هذه الأدلة حاكمة على أدلة الواجبات والمحرمات، فلا يعارض بها شئ منها حتى يلتمس الترجيح ويرجع إلى الأصل بعد فقده، كما قد توهمه بعض في مسألة جواز المحاكمة إلى أهل الجور عند توقف أخذ الحق عليه.
المقام الثاني: في حكم الأثر المترتب على فعل الباطل، فنقول:
ظاهر حديث " رفع ما اضطروا إليه " عدم ترتب الآثار الشرعية على ذلك الفعل الباطل إذا فعل على وجه التقية، فالتكفير في الصلاة غير مبطل، وكذا السجود على ما لا يصح السجود عليه.
وأما وجوب القضاء إذا أكل في شهر رمضان تقية، فهو - مع النص عليه (1) - لأجل أن القضاء مما يترتب على ترك الصوم، والأكل لازم عقلي لترك الصوم بعد كون الصوم عبارة عن ترك الأكل، لا أثر شرعي له حتى يرتفع بالاضطرار، فالآكل تقية في الحقيقة تارك للصوم تقية، وأما الآكل ناسيا فهو وإن كان كذلك تاركا للصوم ناسيا إلا أن عدم القضاء عليه للنص والإجماع لا لحديث رفع النسيان، فتأمل.
والتحقيق: أن المراد برفع الأمور التسعة في الرواية رفع المؤاخذة، لا رفع جميع الآثار الشرعية المسببة عن الفعل الصادر على وجه الخطأ وأخواته، فإذن الفعل الصادر على جهة التقية لا تدل الرواية على أزيد من رفع العقاب عليه، فإذا اضطر للتقية في أثناء الصلاة إلى التكتف أو غيره من المبطلات في مذهبنا أو في أثناء الصوم إلى ما يفسده فكأنه اضطر إلى إبطال الصلاة وفساد الصوم، هذا هو الذي يقتضيه الأصل، وسيجئ ما يدل على خلافه.