ومن حيث كشفها عن الواقع الذي لا يتمكن من تحصيل العلم به، وقد أمضى الشارع هذا العمل بمعنى أنه أسقط معها التكليف بالواقع، لا أنه لاحظ في الحكم المظنون مصلحة بعد تعلق الظن به وأوجب العمل به للمصلحة الداعية إليه، فيكون جميع ما ورد من الشارع في حجية الأمارات الظنية وارد في مقام بيان الرخصة في العمل بها وعدم تحتم الوصول إلى الواقع إما بالاحتياط أو الفحص الزائد المفضي إلى العلم مع رجائه، لكنه خلاف ظاهر تلك الأدلة وظاهر الأصحاب.
وكيف كان، فعلى فرض سريان الخلاف في الجعل وعدمه بالنسبة إلى الحكم التكليفي أيضا نقول: إن القول بانقلاب التكليف لا يستلزم جواز الاقتداء، لأن مجرد موافقة الصلاة للأمر الواقعي الثانوي لا يوجب صحة الاقتداء مع كون الصلاة فاسدة عند المأموم ومخالفة للأمر الواقعي، إذ لا دليل على كفاية مجرد موافقة الأمر الشرعي في جواز الاقتداء مع علم المأموم بالفساد واقعا.
وبالجملة، فالاكتفاء في الاقتداء بمجرد مطابقة الصلاة لتكليف الإمام لا بد له من دليل، ولسنا الآن بصدده، لكن نقول: إنه لو اكتفي به لاكتفي به فيما إذا قلنا بعدم انقلاب التكليف، إذ حينئذ وإن لم تكن الصلاة مطابقة للأمر الواقعي الثانوي، إذ لا واقعي حينئذ بل مجرد عذر. إلا أنه لا خلاف كما لا ريب في أن الشارع جعله في حكم الواقعي الأولي في إسقاط القضاء والإعادة، وحينئذ فيترتب على هذه الصلاة جميع الأحكام الثابتة للصلاة الواقعية وعلى فاعلها جميع أحكام المصلي، ومنها: جواز الاقتداء به، والقول بترتب جميع الآثار عليها دون جواز الاقتداء ترجيح من غير مرجح.
والحاصل: أن صحة الاقتداء إن كان من آثار امتثال الأمر الواقعي