عامة الناس الواجد لملكة العدالة الذي هو عدل واقعي عند أرباب القولين إذا اطلع منه على معصية خفية لم يتظاهر بها عند أحد فيجب (1) أن يحكم بعدالته على القولين، إذ لم ترتفع عنه بمجرد ذلك الملكة ولا حسن الظاهر، مع أنه محكوم بعدم العدالة عند من اطلع على ذلك منه اتفاقا على الظاهر.
وأما لو جعلنا العدالة عبارة عن الاجتناب وجعل حسن الظاهر طريقا فلا يلزم إيراد، لأن الطريق إنما يعتبر إذا لم ينكشف الواقع.
ولا يخفى أن الفرار عن هذا يمكن على القول بالملكة بأن يقال: إن العدالة هي الملكة الباعثة على ملازمة التقوى، فما دامت الملكة متصفة بالبعث على التقوى والزجر عن المعاصي فهي عدالة، وإذا وقعت المعصية فالملكة في حال الوقوع غير متصفة بالزجر والبعث، فلذا يتصف الفاعل بالفسق ثم لو تاب وندم على ما فعل اتصفت الملكة بالبعث والزجر، إذ بواسطة اتصافها بالصفة المذكورة ألزمت النفس بالتوبة وحصلت الندامة.
ولا ينافي ذلك ما سنشير إليه من أن المراد بالملكة الحالة القاهرة لقوتي الشهوة والغضب بالنسبة إلى جميع المعاصي في أغلب الأحوال بأن يقال: إن هذه الحالة موجودة فيه في حال المعصية، لأن المراد بهذا التفسير هو أن هذه الحالة لا يجب أن تكون وظيفتها المنع في جميع الأحوال بحيث لا يوجد للإنسان حال يغلب فيه القوتان على تلك الحالة القدسية، بل يعتبر أن يكون من شأنها الغلبة على القوتين في الأغلب، لكن لا يكون عدالة إلا إذا اتصفت بالغلبة والبعث، فإذا صارت مغلوبة فلا تسمى عدالة، لأنها هي الملكة المتصفة بالبعث، مع أنه سيجئ أن العدالة إن جعلناها عين نفس