وأما إذا جهل البايع والمشتري بالأرش أصلا وكان رجوعهما إلى المقومين من جهة جهلهم بالأرش، فمقتضى القاعدة أي شئ، فهل يرجح أحد المقومين الذي يكون قوله موافقا للأصل، وهو بينة الأقل، فإن الاختلاف هنا في الأكثر، ولا شبهة أن بينة الأقل موافقة للأصل، أو يؤخذ ببينة الأكثر، فإن جهة الاختلاف هنا عدم وصول بينة الأقل بما وصل إليه بينة الأكثر فتكون جاهلا بالزيادة، أو يرجع إلى الحاكم فيكون الحاكم مخيرا بين أن يأخذ بأي بينة شاء على حسب رأيه، أو يرجع إلى القرعة لأنها لكل أمر مشتبه، أو يرجع إلى الصلح لأن لكل منهما حجة شرعية، فمقتضى العمل بها هو الرجوع إليها كما هو واضح، أو أنه يجمع بينهما بطرح مقدار مفاد كل منهما والأخذ بالبقية، بأن تؤخذ من كل بينة نصف القيمة لو كان المقومان اثنان أو الثلث لو كان ثلاثة وهكذا، وقد اختار المصنف الوجه الأخير تبعا لمعظم الأصحاب، وأشكل في بقية الوجوه كلها.
أقول: إن كان نظره، أي نظر المصنف، من ترجيح ما ذهب إليه المعظم إلى الجمع بين الدليلين مطلقا، فإنه لا شبهة في كونه جمعا عرفيا ومختصا بالموارد التي تكون في أحد الدليلين قرينة على بيان المراد.
وبعبارة أخرى أن تلك القاعدة مختصة بموارد كون أحد الدليلين ذي القرينة دون الآخر، كما إذا صدرا معا من شخص واحد، فإنه نعلم بعدم كذبه، فيكون ذلك قرينة على الجمع بينهما، أو صدرا من شخصين الذين في حكم شخص واحد كالأئمة (عليهم السلام) فإنهم لسان واحد، ومن هنا ورد أنه يقع نسبة رواية صدرت عن الصادق (عليه السلام) إلى سائر الأئمة (عليهم السلام)، ولكن ذلك لا يجري في المقام، فإن كل واحد من المقومين غير الآخر، فالجمع بينهما على هذا النحو موجب للمخالفة القطعية، فلا يمكن الأخذ بهذه.