بيان آخر لتعارض المقومين انتهى كلامنا إلى الجمع بين المقومين، وقلنا إن المشهور ذهبوا إليه، وأن مقتضى الجمع بين البنيتين هو الأخذ بالنصف إذا كانت البينة اثنان وبالثلث إذا كانت ثلاثة وهكذا، وقلنا إنه لا وجه لهذا الوجه، لأنه إذا كان من جهة الجمع بين الدليلين كما ذهب إليه الشيخ الطوسي، وذكر أن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح، كما أن هذا يظهر من أول كلام المصنف، وهو الذي ذكره المصنف في التعادل والتراجيح من الرسائل.
وأشكل عليه بأنه لا وجه للجمع بين الدليلين بذلك، حيث إنه طرح لهما وهو مخالفة قطعية، إلا أن يكون هنا قرينة على ذلك، كما إذا أورد من شخص واحد أو من في حكم شخص واحد.
وإن كان المراد من ذلك هو قاعدة العدل والانصاف والجمع بين الحقوق، كما يظهر ذلك من ذيل كلامه، وهو وإن كان متينا لقيام السيرة القطعية عليه في الحقوق المالية بل ورد عليه الخبر في الودعي، فإن العرف قاض بجواز بذل مقدار من المال مقدمة للعلم بوصول مقدار منه إلى صاحبه نظير المقدمات الوجودية، كبذل مقدار من المال لايصال مقدار الآخر إلى صاحبه، وهو حسن، ولكن لا ربط له بالمقام، حيث إن في المقام ليس حق مالي وإنما الأرش يثبت بالمطالبة، ولا شبهة في أنه لم يثبت بالمطالبة إلا ما هو المتيقن، وأما الزائد فلا كما هو واضح.
بل ذكرنا أن اختلاف المقومين في الزيادة والنقصان مثل اختلافهم في أصل ثبوت الأرش وعدمه، لأن الأقل متيقن والأكثر مشكوك، فيكون الأكثر مثل أصل ثبوت الأرش من الأول كما هو واضح.