أقول: قد أشار المصنف (رحمه الله) في هذه المسألة إلى جهات من الكلام:
الجهة الأولى أنه إذا كان الثمن مؤجلا وحل أجله أو كان معجلا وأعطاه المشتري للبايع، فهل يوجب على البايع قبوله أم لا يجب عليه ذلك، وجهان، ولعل المشهور أنه يجب على البايع قبوله، وقد اختار المصنف (رحمه الله)، واستدل عليه بأن في امتناع البايع عن القبول اضرارا وظلما، إذ لا حق له على من في ذمته في حفظ ماله في ذمته.
أقول: الكلام هنا في وجوب القبض مع الاقباض، ولا كلام لنا في أن القبض بأي شئ يتحقق فلا يرد أنه إذا لم يقبل، فالتخلية بين الثمن والبايع اقباض.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن المراد من الضرر تارة يكون الضرر الخارجي، وأخرى يكون الضرر الاعتباري، أما الأول فهو عبارة عن النقص في المال أو الأعضاء أو الأعراض، ولا شبهة أن عدم قبول البايع الثمن لا يستلزم شيئا من هذه الأمور، فلا يكون هنا ضرر خارجي، وأما الضرر الاعتباري والشؤوني فنعم، فإنه لو لم يقبل البايع الثمن لم تفرغ ذمة المشتري ويكون مديونا، ويعد بين الناس مديونا ويقل بذلك اعتباره بينهم.
ولا شبهة في أن هذا ضرر عليه، ولكن الكلام في أن اندفاع هذا الضرر منحصر بالاقباض ليقع المشتري بعدم قبول البايع الثمن على الضرر الاعتباري أوليس بمنحصر بذلك، والظاهر أنه غير منحصر به بل يمكن دفعه بأن يلقي بالطريق أو يدفعه إلى الحاكم أو يكون عنده أمانة، نعم قبوله الثمن موضوع لرفع الضرر، ومن الواضح أن ايجاد هذا الموضوع ليس بواجب.