وفيه: أن هذا حكم السجدتين عند الأصحاب، ولا كلام فيه، وإنما الكلام في تطبيق هذا الحكم على حكمهم بركنية السجدتين وتفسيرهم الركن بما يبطل الإخلال به، فإن لفظ " الإخلال " الظاهر في الترك الحاصل بترك أحد الجزئين وإن أمكن حمله على خلاف ظاهره لغة وعرفا، كما ذكره، إلا أن ظاهرهم أن المراد به مجرد الترك، كما يقتضيه وجه التعبير بالركنية، فإنا إذا قلنا بأن المجموع ركن فإذا فقد الجزء فقد الركن، فإذا حكم مع ذلك بصحة الصلاة فلا معنى لجعل المجموع، فالإشكال ليس في دلالة ظاهر تعريفهم على ارتفاع الركن بترك الواحد حتى يقال: إن مرادهم خلاف مفهوم اللفظ لغة وعرفا، وإنما الإشكال في تعقل الركنية للمجموع مع الحكم بصحة صلاة تارك جزء المجموع، ولذا صرح المجيب قبل هذا الجواب بقليل - عند ذكر خلاف الشيخ (1) في ترك السجدتين في أخيرتي الرباعيتين -: بأنه لا يمكن الخلاف في أن ترك الركن مبطل مطلقا، إذ لا معنى للركن إلا ذلك، وأن خلاف الشيخ إنما هو في الركنية مطلقا أو في الجملة (2).
هذا كله إذا أريد من مخالفة مفهوم اللفظ لغة وعرفا مخالفة مفهوم لفظ الإخلال الظاهر في مجرد الترك لا تركهما معا، وإن أريد مخالفة مفهوم لفظ " الركن " لغة وعرفا، ففيه: أنه اعتراف بورود الإشكال في حكمهم بركنيتهما مع اتحاد مصطلحهم في معنى الركن في جميع الأركان، كما صرحوا به في أول ذكر الأركان، وليس دفعا للإشكال، مع أنهم - إلا قليل - قد صرحوا في التفريع على ركنيتهما بما ذكروه في غيرهما على وجه يشعر باتحاد معنى الركن في المقامين، من أنه تبطل الصلاة بالإخلال بهما عمدا وسهوا.