حكم تؤثر عن أنوشروان تجنب الحلف في حال الصدق فاما الخلاف فاجتنبه وهنا ذهب شئ مما كتب في الهامش وإن كنت حاذقا بالرقى فلا تبادر إلى تناول الحيات، تعهد مالك بالتثمير وشدة التفقد وانعام المحاسبة لئلا يلحقك المثل السائر متى حضر المال عزب العقل ومتى حضر العقل عزب المال، كل شئ أنفقته في شهوتك وأصبته منها فاعلم انك لم تصبه وإنما أصابك وهلك به بعضك، فالعاقل من ترك الهوى ليكون كتارك اكلة ليصل إلى أكلات وكمجتنب فاحشة ظاهرة لتخفى له فواحش باطنة وقال من عدم العقل فلن يزيده السلطان عزا ومن عدم القناعة فلن يزيده المال غنى، ومن عدم الايمان فلن تزيده الرواية فقها، وإنما الإنسان عقل في صورة فمن اخطاه العقل ولزمته الصورة لم يكن انسانا تاما ولم يكن الا كتمثال لا روح فيه. سئل ما أغنى الغنى؟ قال: نزاهة النفس وملك الهوى. سئل اي هيبة تكون انفع للسلطان في سلطانه وأعم نفعا في رعيته؟ قال: هيبة العدل والنزاهة وحسم بوائق الأشرار وأهل الريب، سئل ما السرور الذي يجب أن يغتبط به الملك؟ قال: السرور للملك وغير الملك ما كان معه رجاء لحسن معاده فاما ما سوى ذلك فهو مطرح عند ذوي الألباب. قيل له: ما القناعة وما التواضع قال: اما القناعة فالرضا بالقسم وسخاء النفس عما لا ينبغي الرغبة فيه، وأما التواضع فاحتمال الأذى عن كل أحد و لين الجانب لمن هو دونك. قيل وما ثمرة القناعة وما ثمرة التواضع؟ قال: ثمرة التواضع المحبة وثمرة القناعة الراحة. سئل ما العجب وما الرياء؟ قال: العجب ان يظن المرء بنفسه ما ليس عنده حتى يرى رأيه صوابا ورأي غيره خطا، والرياء أن يتصنع للناس ويظهر لهم الصلاح وهو خلو منه. قيل: فأيهما أشد ضررا؟ قال: أما على نفسه فالعجب وأما على خلطائه فالرياء لطمأنينتهم اليه في مهماتهم بما يظهر لهم من نفسه وليس تؤمن منه الخيانة.
قيل له: ما بذر جميع الفضائل؟ قال: العلم والعقل! قيل: فهل فوق العقل والعلم شئ؟ قال: التوفيق يزينهما والخذلان يشينهما! قيل: ما الصبر المحمود؟ قال ثبات على كل امر كريم وزم الهوى عن كل امر لئيم! قيل ثم ماذا؟ قال إن لا تغيرك السراء ولا الضراء فتنقلك من حميد إلى ذميم قيل ثم ما ذا قال: القوة على الهوى عند أشراف الطمع والقهر للغضب في حال غليان الغيظ! قيل ثم ما ذا؟ قال احتمال كل كريهة في ما حيز به الفضل، والصبر له أربعة مواطن: ثبات وكف واحتمال واقدام، فالثبات على الكرائم، والكف عن المحارم والمآثم، والاحتمال للوازم فيما يوجب الفضل ويظهر المروءة، والاقدام على الجلائل التي فيها النجاة والفوز.
وقال: الصبر من الشكر، والشكر من الفضيلة، وهما نوعان: صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله، فالصبر على طاعة الله أداء الفرائض، والصبر عن معصية الله اجتناب المحارم. قيل: ما محض الكرم؟ قال الوفاء بالذمم. قيل ما محض اللؤم؟ قال: التجني بمنزلة الذئب الذي هم بأكل السخلة لعامها فقال لها أنت شتمتني عاما أول! قيل فما الأدب النافع؟ قال إن تتعظ بغيرك ولا يتعظ غيرك بك، قيل ما توفير العقل؟
قال: ان تطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر، قيل ما بالكم مطرحون من المدح ما لم يكن مطرحا عند غيركم من الملوك؟ قال لكثرة ما رأينا من الممدوحين الذين كانوا بالذم أولى منهم بالمدح، قيل اي الأشياء امر مرارة قال الحاجة إلى الناس إذا طلبت من غير أهلها، قيل اي الأشياء اخلف قال مشورة الجاهل، قيل أي التفريطات التي تبتلون بها أشد عليكم؟ قال إن نقدر على خير نعمله فنؤخره وربما كانت ساعة فلا تعود.
قيل فأي الحالات أنتم فيها أخوف لعدمكم؟ قال أشد ما نكون ثقة فيه بأنفسنا، وأقل ما نكون فيه ثقة بربنا، واتكالا على ملكنا وجدنا. قيل له سمعناكم تقولون: ثلاثة أشياء لم نرها كاملة في أحد قط فما هي؟ قال اليقين والعقل والمعرفة قيل سمعناكم تقولون أربعة أشياء ليس ينبغي للعاقل أن ينساهن على حال فأحببنا أن نعلم ما هي؟ قال نعم! سأخبركم بها فلا تغفلوها فناء الدنيا والاعتبار بها والتحفظ بتصرف أحوالها والآفات التي لا أمان منها قيل سمعناكم تقولون من استطاع ان يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به مكروه يكون هو الجاني فيه على نفسه فاردنا أن نعلم ما هي تلك الأشياء قال العجلة والعجب واللجاجة الحيرة والهلكة وثمرة التواني الفاقة والضر سئل هل يقدر الإنسان على عمل البر في كل حين؟ قال نعم لأنه لا بر أبلغ من الاخلاص في الشكر لله جل ثناؤة وتطهير النية من الفساد قيل هل يقدر أحد ان يعم بخيره ومعروفه؟ قال اما بكثرة ماله فلا، ولكن إذا أحب لهم الخير بنيته وقلبه فقد عمهم بخيره سئل كيف للمرء أن يعيش آمنا؟ قال أن يكون للذنوب خائفا ولا يحزن من المقدور الذي لا بد أن يصيبه سئل ما الرأي الجيد في امر المعاش؟ قال: من كان يريد عيش السرور فالقناعة، ومن كان يريد عيش الذكر فالاجتهاد في الصلاح وعموم الناس بالخير، ومن أراد سعة الدنيا وفضولها فليوطن نفسه على الاثم والغم والنصب، قيل فأي الاجتهاد أعون على اكتساب محمود الذكر، وأيه أعون على اصلاح المعيشة، وأيه أعون على الأمن؟ قال: أعونه على الذكر المحمود الإنصاف من النفس ثم اجتناب الظلم، وأعونه على الأمن ترك الذنوب، وأعونه على صلاح المعيشة والاجتهاد في الحق ورفض الشره والحرص قيل اي الرجال العاقل وأيهم الكيس وأيهم الداهي؟ قال: العاقل هو البصير بما يحتاج إليه في أمر معاده، المنفذ لبصيرته بعزيمته، والكيس هو العالم بما لا غنى عنه في أمر دنياه، والداهي ذو الفطنة في التلطف لما يحتاج اليه من أبواب المداراة فيما بينه وبين جميع الناس قيل أي الدعة أهنأ، قال: ما كان منها بعد احكام المهمات قيل اي الناس أكمل سرورا؟ قال: اما في الدنيا فمن لم يكن به حاجة إلى غيره فيما يعنيه، ولم تملك رقبته من غير ملك، وأما في الآخرة فأوفرهم حسنات قيل أي الناس اسكن؟ قال:
من لم يكن به إلى هلاك أحد، ولا بأحد إلى هلاكه استعجال سئل أي علم الوالي انفع له؟ قال: ان يعلم أنه لا قدرة له على سد أفواه الناس عن عيوبه ومساويه فعند ذلك لا يلتمس اسكاتهم بالوعيد والغلظة ولا يلتمس رضاهم وانتقالهم عن ذكر مساويه وعيوبه الا باصلاح تلك العيوب من نفسه سئل ما ثمرة العقل؟ قال ثماره الشريفة الكريمة كثيرة، ولكن احصي لكم ما يحضرني منها، فمن ذلك: أن لا يضيع التحفظ والاحتراس من المعاصي، ومنها: ان لا يسكن من الدنيا إلى حال ولا يطمعها في التفريط من الاستعداد ومنها: أن لا يكون لشئ من الشر مقتنيا، ومنها: ان لا يترك ألطافه لمبغضيه، ومنها: أن لا يقتدي بالجهال ولو في منفعة جسيمة من منافع الدنيا، فاما منفعة الآخرة فلا حظ للجاهل فيها، ومنها: أن لا تبلغ السراء به بطرا ولا الضراء استكانة، ومنها: أن يسير بينه وبين عدوه السيرة التي لا يخاف معها حكم الحاكم وفيما بينه وبين صديقه بالسيرة التي لا يحتاج معها إلى العتاب، ومنها: ان لا يستصغر