نشأته نشا الصاحب في بيت علم وفضل ووجاهة وأقبل على طلب العلم منذ صغره. وفي بغية الوعاة أنه كان في الصغر إذا أراد المضي إلى المسجد ليقرأ تعطيه والدته دينارا ودرهما في كل يوم وتقول له تصدق بهذا على أول فقير تلقاه فكان هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر وصار يقول للفراش كل ليلة اطرح تحت المطرح دينارا ودرهما لئلا تنساه فبقي على هذا مدة ثم إن الفراش نسي ليلة من الليالي أن يطرح الدرهم والدينار فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدرهم والدينار ففقدهما فتطير من ذلك وظن أنه لقرب أجله فقال للفراشين خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه حتى يكون كفارة لتأخير هذا فلقوا أعمى هاشميا يتكئ على يد امرأة فقالوا تقبل هذا قال ما هو فقالوا مطرح ديباج ومخاد ديباج فأغمي عليه فأخبروا الصاحب فأحضره ورش عليه ماء فلما أفاق سأله فقال: أنا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه ولي سنين آخذ القدر الذي يفضل عن قوتنا أشتري لها به جهازا فلما كان البارحة قالت أمها اشتهيت لها مطرح ديباج ومخاد ديباج فقلت لها من أين لي ذلك وجرى بيني وبينها خصومة فلما قال لي هؤلاء هذا الكلام حق لي أن يغشى علي. فقال لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به ثم اشترى له جهازا يليق بذلك المطرح وأحضر زوج الصبية وأعطاه عطية سنية انتهى.
أقوال المترجمين في حقه قال الثعالبي في يتيمة الدهر: ليست تحضرني عبارة أرضاها للافصاح عن علو محله في العلم والأدب وجلالة شانه في الجود والكرم وتفرده بغايات المحاسن وجمعه أشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوع أدنى فضائله ومعاليه وجهد وصفي يقصر عن السير في فواضله ومساعيه ولكنني أقول هو صدر المشرق وتاريخ المجد وغرة الزمان وينبوع العدل والاحسان ومن لا حرج في مدحه بكل ما يمدح به مخلوق ولولاه ما قامت للفضل في دهرنا سوق وكانت أيامه للعلوية والعلماء والأدباء والشعراء وحضرته محط رحالهم وموسم فضلائهم ومنزع آمالهم وأمواله مصروفة إليهم وصنائعه مقصورة عليهم وهمته في مجد يشيده وانعام يجدده وفاضل يصطنعه وكلام حسن يصنعه أو يسمعه ولما كان نادرة عطارد في البلاغة وواسطة عقد الدهر في السماحة جلب إليه من الآفاق وأقاصي البلاد كل خطاب جزل وقول فصل وصارت حضرته مشرعا لروائع الكلام وبدائع الافهام ومجلسه مجمعا لصوب العقول وذوب العلوم وثمار الخواطر ودرر القرائح فبلغ من البلاغة ما يعد في السحر ويكاد يدخل في حد الاعجاز وسار كلامه مسير الشمس ونظم ناحيتي الشرق والغرب واحتف به من نجوم الأرض وأفراد العصر وأبناء الفضل وفرسان الشعر من يربي عددهم على شعراء الرشيد ولا يقصرون عنهم في الأخذ برقاب القوافي وملك رق المعاني. فإنه لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء والملوك مثل ما اجتمع بباب الرشيد من فحولة الشعراء المذكورين كأبي نواس وأبي العتاهية والعتابي والنمري أو مسلم بن الوليد وأبي الشيص ومروان بن أبي حفصة ومحمد بن مناذر، وجمعت حضرة الصاحب بأصبهان والري وجرجان مثل أبي الحسين السلامي، وأبي بكر الخوارزمي، وأبي طالب المأموني، وأبي الحسن البديهي وأبي سعيد الرستمي وأبي القاسم الزعفراني وأبي العباس الضبي وأبي الحسن بن عبد العزيز الجرجاني وأبي القاسم بن أبي العلاء وأبي محمد الخازن عبد الله بن الحسن الأصبهاني متولي خزانة كتب الصاحب وأبي هاشم العلوي وأبي الحسن الجوهري وبني المنجم وابن بابك وابن القاشاني وأبي الفضل الهمذاني وإسماعيل الشاشي وأبي العلاء الأسدي وأبي الحسن الغويري وأبي دلف الخزرجي وأبي حفص الشهرزوري وأبي معمر الإسماعيلي وأبي الفياض الطبري. ويوجد في بعض النسخ وأبي علي الحسن بن قاسم الرازي اللغوي النحوي صاحب كتاب المبسوطة في اللغة وغيرهم ممن لم يبلغني ذكره أو ذهب عني اسمه. ومدحه مكاتبة الشريف الموسوي الرضي وأبو إسحاق الصابي وابن حجاج وابن سكرة وابن نباتة وما أحسن وأصدق قول الصاحب:
إن خير المداح من مدحته * شعراء البلاد في كل نادي وانتهى وكما مدحه الشريف الرضي في حياته رثاه بعد مماته بقصيدة مذكورة في ديوانه. وفي معجم الأدباء حدث ابن بابك قال:
سمعت الصاحب يقول مدحت والعلم عند الله بمئة ألف قصيدة شعرا عربية وفارسية وقد أنفقت أموالي على الشعراء والأدباء والزوار والقصاد فما سررت بشعر ولا سرني شاعر كما سرني أبو سعيد الرستمي الأصفهاني بقوله:
ورث الوزارة كابرا عن كابر * مرفوعة الاسناد بالاسناد يروي عن العباس عباد * وزارته وإسماعيل عن عباد وقال ياقوت أيضا: مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين. وقال أيضا: والصاحب مع شهرته بالعلوم وأخذه من كل فن منها بالنصيب الوافر والحظ الزائد الظاهر وما أوتيه من الفصاحة ووفق له من حسن السياسة والرجاحة مستغن عن الوصف مكتف عن الأخبار عنه والوصف ثم قال وللصاحب أخبار حسان في مكارم الأخلاق مع رقاعة كانت فيه انتهى.
ووصفه له بالرقاعة ظلم منه وسفاهة ورقاعة فاخبار الصاحب شاهدة بضد ما قال.
وقال السمعاني في الأنساب: أبو القاسم بن عباد الطالقاني الوزير المعروف بالصاحب اشتهر ذكره وشعره ومجموعاته في النظم والنثر في الآفاق فاستغنينا عن شرح ذلك انتهى.
وقال ابن خلكان: كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائله ومكارمه وكرمه انتهى.
وعن تاريخ الوزراء كان الصاحب الكافي إسماعيل بن عباد وحيد عصره وفريد دهره في العلم والفضل والفهم والفطنة مقدما في إصابة الرأي والتدبير وإضاءة الخاطر وصفاء الضمير انتهى.
وفي بغية الوعاة: كان نادرة عصره وأعجوبة دهره في الفضائل والمكارم حدث وقعد للاملاء وحضر الناس الكثير عنده ولم يجتمع بحضرة أحد من العلماء والشعراء الأكابر ما اجتمع بحضرته وشهرته قد تغني عن الأطناب بذكره انتهى. وعن تاريخ الوزير أبي سعد منصور بن الحسين الآبي أن أسنة الأقلام وعذبات الأسنة تكل دون أيسر أوصاف الصاحب وأدنى فضائله انتهى وفي معجم الأدباء: حدث أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي في كتاب مشارب التجارب وذكر الصاحب فقال أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن عباس الوزير ابن الوزير ابن الوزير كما قال الرستمي فيه