علماء الإمامية حتى أن الذهبي في ميزانه نسب السيد المرتضى إلى الاعتزال وبذلك يجاب عن قول مخدومه فخر الدولة على أنه خارج مخرج المزاح لا مخرج الحقيقة بدليل اقترانه بجملة مجونية وهي التي لم ننقلها. وأما نسبة المفيد والمرتضى إياه للميل إلى جانب الاعتزال فلعلها لما ظهر منه من التعصب للجاحظ أحد رؤساء المعتزلة ولعله كان يتعصب للجاحظ لأدبه لا لمذهبه حيث تجمعهما صنعة الكتابة والبلاغة كتعصب شريف الرضي للصابي على أن ابن أبي طي حكى عن المفيد كما مر أنه شهد بان الكتاب الذي نسب إلى الصاحب في الاعتزال وضع على لسانه وهو مناف لهذه الحكاية وأما عد ابن طاوس في فرج الهموم له من المعتزلة فلعله تبع فيه المفيد والمرتضى وقد سمعت الجواب عنه اما ما في رسالة الإبانة فيمكن الجواب عنه بما أجيب به عما في كتاب الإمامة كما مر. وفي مستدركات الوسائل يمكن أن يقال مضافا إلى عدم القطع بنسبة الكتاب اليه أنه كان كذلك ثم رجع أو خرج مخرج المداراة والله أعلم انتهى أما قول أبي حيان فيه فغير مسموع بعد ما ظهر من تحامله عليه فكأنه أراد أن يبين اضطرابه في مذهبه بكونه معتزليا في الأصول وعيديا وزيديا في الإمامة حنفيا في الفروع فليس كلامه إلا كهجاء الشعراء بالحق والباطل مع عدم المبالاة لا يمكن الاعتماد عليه مع أن كونه حنفيا ينافيه ما مر عن لسان الميزان أنه شافعي وبذلك يتطرق الشك إلى كونه شافعيا أيضا لاختلاف النقل وأما استحضاره عبد الجبار معه من بغداد وتوليته قضاء القضاة فلو دل على كونه معتزليا لأبطل هذه الدلالة قول عبد الجبار ما أدري كيف أصلي على هذا الرافضي كما مر.
أحواله في معجم الأدباء واليتيمة وتاريخ ابن خلكان وغيرها والمجموع منتزع من المجموع أنه كان في بدء أمره من صغار الكتاب يخدم أبا الفضل ابن العميد على خاصة وكان ابن العميد يعطف على الصاحب ويتوسم فيه النجابة كما كان الصاحب يعجب بابن العميد ويجله وللصاحب فيه مدائح تأتي عند ذكر أشعاره ثم ترقت الحال بالصاحب إلى أن استكتبه ابن العميد لمؤيد الدولة أبي منصور بويه ابن ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه الديلمي ومؤيد الدولة حينئذ أمير في عنفوان الشباب وأبوه ركن الدولة لا يزال حيا.
رسالة ابن العميد إلى الصاحب حين استكتبه لمؤيد الدولة في معجم الأدباء قال أبو حيان: كان ابن عباد يروي لأبي الفضل بن العميد كلاما في رقعة اليه حين استكتبه لمؤيد الدولة وهو: بسم الله الرحمن الرحيم مولاي وإن كان سيدا بهرتنا نفاسته، وابن صاحب تقدست علينا رئاسته، فإنه يعدني سيدا ووالدا، كما أعده ولدا واحدا ومن حق ذلك أن يعضد رأيي برأيه ليزداد استحكاما، ونتظاهر عقدا وابراما، وحضرت اليوم مجلس مولانا ركن الدين ففاوضني ما جري بيني وبين مولاي طويلا ووصل به كلاما بسيطا وأطلعني على أن مولاي لا يزيد بعد الاستقصاء والاستيفاء على التقصي والاستعفاء وألزم عبده أن أكره مولاي اكراه المسالة وأجبره اجبار الطلبة علما بأنه إن دافع المجلس المعمور طلبا للتحرز لم يرد وساطتي أخذا بالتطول وأقول بعد أن أقدم مقدمة مولاي غني عن هذا العمل بتصونه وتصلفه وعزوفه وبهمته عن التكثر بالمال وتحصيله لكن العمل فقير إلى كفايته محتاج إلى كفالته، وما أقول أن مرادي ما يعقد من حساب، وينشأ من كتاب، ويستظهر به من جمع، ويذر من عطاء ومنع، فكل ذلك وإن كان مقصودا، وفي آلات الوزارة معدودا ففي كتاب مولاي من يفي به ويستوفيه، ويوفي عليه ما يسر مساعيه، ولكن ولي النعمة يريد لتهذيب ولده ومن هو ولي عهده من بعده، والمأمول ليومه وغده، أدام الله أيامه، وبلغه فيه مرامه، ولا بد وإن كان الجوهر كريما، والسنخ قديما، والمجد صميما، ومركب العقل سليما، من مناب من تعلم ما السياسة وما الرئاسة وكيف تديير العامة والخاصة وبما ذا تعقد المهابة ومن أين تجتلب الأصالة والإصابة، وكيف ترتب المراتب، ويعالج الخطب إذا ضاقت المذاهب، وتعصى الشهوة لتحرس الحشمة وتهجر اللذة لتحفظ الإمرة، ولا بد من محتشم يقوم في وجه صاحبه فيراده إذا بدر منه الرأي المنقلب، ويراجع إذا جمح به الحجاج المرتكب، ويعاوده إذا ملكه الغضب الملتهب، فلم يكن السبب في أن فسدت ممالك جمة وبلدان عدة إلا أن خفضت أقدار الوزارة، فانقبضت أطراف الامارة، وليس يفسد على ما أرى بقية الأرض إلا إذا استعين باذناب على هذا الأمر فلا يبخلن مولاي على ولي نعمته بفضل معرفته فمن هذه الدولة جري ما فضله وفضل الشيخ الأمين من قبله وإن كان مسموعا كلامي وموثوقا باهتمامي فلا يقعن انقباض عني، واعراض عما سبق مني، ومولاي محكم الإجابة إلى العمل فيما يقترحه وغير مراجع فيما يشترطه وهذا خطي به وهو على ولي النعمة حجة لا يبقى معها شبهة وسأتبع هذه المخاطبة بالمشافهة إما بحضوري لديه، أو بتجشمه إلى هذا العليل الذي قد ألح النقرس عليه انتهى قال وكان ابن عباد يحفظ هذه النسخة ويرويها ويفتخر بها.
ثم قال أبو حيان على عادته في ثلب الصاحب قال لي أصحابنا بالري منهم أبو غالب الكاتب الأعرج أن هذه المخاطبة من كلام ابن عباد افتعلها عن ابن العميد إلى نفسه تسوقا بها ونفاقا بذكرها انتهى وقد كذب في ذلك فابن العميد كان يعطف على الصاحب ولا يكثر في حقه أن يخاطبه بمثل هذا ولكن أبا حيان لم يكن يألو جهدا في اختلاق المعائب للصاحب لشئ في نفسه ولم يكن مقام الصاحب في ذلك الا مقام البدر تنبحه الكلاب وكان اختيار الصاحب كاتبا ومؤدبا لمؤيد الدولة قبل سنة 347 فان الصاحب توجه في تلك السنة مع مؤيد الدولة إلى بغداد كما ستعرف والصاحب يومئذ ابن نحو إحدى وعشرين سنة.
مجئ الصاحب إلى بغداد وما جرى له فيها في كتاب تجارب الأمم لمسكويه في حوادث سنة 347 قال: وفيها ورد الأمير أبو منصور بويه بن ركن الدولة إلى بغداد يخطب ابنة معز الدولة ومعه أبو علي بن أبي الفضل القاشاني وزيرا ومعه أبو القاسم إسماعيل بن عباد يكتب على سبيل الترسل فلما كانت ليلة السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى زفت بنت معز الدولة إلى أبي منصور بويه ثم حملها إلى أصبهان ولما ورد الصاحب بغداد أعجبته كثيرا ولما رجع دخل على ابن العميد فقال له كيف وجدت بغداد فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد وأنشده الصاحب:
أفاضل الدنيا وإن برزوا * لم يبلغوا غاية استادها أما ترى أمصارها جمة * ولا ترى مصرا كبغدادها وفي بغداد اجتمع الصاحب بأبي سعيد السيرافي النحوي وغيره من العلماء قال ياقوت في معجم الأدباء وجدت في كتاب الروزنامجة كأنها