والترك في أماكنه كالأخذ في مواضعه. الراحة حيث تعب الكرام أودع لكنها أوضع، والقعود حيث قام الأحرار أسهل لكنه أسفل. اللبيب من الايماء يكفيه والايحاء يغنيه واللفظة تجزيه واللمحة تؤثر فيه. السيد لا يروع القطيع بأرضه، والأسد لا يعدو على الفريسة في ظله. الوقوف في مدارج التهم ذنب عظيم والدخول في شبهات الظن داء عقيم. الطاعة سعيدة المطلع حميدة المرجع والعصيان ذميم الفاتحة وخيم العاقبة. الثعالب لا تجسر على أخياس الأسود. والأرانب لا تقدم على أغيال الليوث. إن الجبال الشم والأطواد الصم لا تمال بحصبات القاذف ولا تحال بجمرات الحاذف. الرجل الحول من ثنى أزمة الأعداء عن الشحناء إلى المودة والصفاء. لا من أحال الصديق ذا الإخاء إلى حال الهجرة والبغضاء. الاغفال لا تؤمن عواقبه بل تحذر مصايبه. تجارة الافضال رابحة وصفقة الاحسان راجحة. الشمس تحيي نورا ولكنها تقتل حرا. والماء يروي وقد يفيض فيردي. خير الوعظ ما قضى بالارتداع قبل الايقاع، وبالانزجار قبل الإنكار. اصطناع الأراذل وصمة في وجود الأفاضل. لا بد للسرى على قمر وللربى من مطر. هل يثبت التصنع الا بقدر الاستكشاف، ويستقر التعمل الا ريث الاستشفاف.
لكل أمر أجل ولكل وقت رجل. عريسة الأسد ليست من أماكن النقد. ما انتفع بعلم رجل لم ينتفع بظنه، ولا بفهم امرئ لم يصب بوهمه.
طلوع الشمس في ضمان غروبها، ومكاره الأيام في أعقاب محبوبها، وعواري الليالي على شرف ارتجاعها، وودائع الدهر يعرض انتزاعها. المكاتبة نظام الصلة وقوام المقة وملاك المسرة وعماد المبرة. دقيق علوم النجوم لا يدرك وجليله كثير الكذب.
نموذج من كلامه ورسائله مأخوذ من المنقول عن ديوان رسائله المخطوط في وصف رسول الله ص خيرة الله من خلقه، والهادي إلى حقه، والمنبه على حكمه، والداعي إلى رشده، والمؤيد من عنده، والمحتج به على جنه وانسه مختار من أكرم المنابت، منتخب من أشرف العناصر، مرتضى من أعلى المحاتد، موثر من أعظم العشائر، معضود بالمعجزات الغر، مرفود بالدلالات الزهر، لا تخبو ناره ولا يوضع مناره، ولا يتحيف سناه وسناؤه، هدي به الخلق من ضلالة سوداء دهماء، وعلموا به من جهالة ربداء جهلاء، مبارك مولده، سعيد مورده، قاطعة حجته، سامية درجته، ساطع صباحه متوقد مصباحه، مظفرة حروبه ميسرة خطوبه، نسخت بملته الملل، وبشرعته الشرع، وبنحلته النحل، وبكلمته الكلم، وبامته الأمم، وبسنته السنن، قد أفرد بالزعامة وحده، وختم بالا نبي بعده، فاستوفت دعوته شرق الأرض وغربها، ومسحت بر الدنيا وبحرها، وأذعنت لها سود الرجال وحمرها، وذلت لعزته صيد الملوك وكبرها، وصار المخالفون سرا، يضطرون إلى اعتزاء اليه جهرا، يفصح بشعاره على المنابر، وبالصلاة عليه في المحاضر، وتعمر بذكره صدور المساجد والمنابر، ويستوي في التطامن لأمره حالتا الغائب والحاضر والوارد والصادر لم يكتب كاتب إلا ابتدأ مصليا عليه، ولم يختم إلا برد السلام والتحية اليه، ذلك سيد الأولين والآخرين، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في وصف علي بن أبي طالب ع إسلامه سابق ومحله سامق ومجده باسق وذكره نجم طارق وسيفه قدر وبارق و علمه بحر دافق وإمامته لواء خافق. ونظير هارون عند المشاكلة، وباب المدينة عند المشابهة، بدر يوم بدر بل شمسه، وأخو المصطفى بل نفسه، مصلي القبلتين والهاشمي من الهاشميين كفؤ أشرف النسم وأكرم الكرائم في الأمم، نسله أعز نسل وأصله أفضل أصل، به تحل المشكلات وإليه ترجع المعضلات، ولداه الشمس والقمر ولولا علي لهلك عمر، سيفه أم الآجال ورمحه يتم الأطفال، وحملته رفع السدود وصولته كسر البنود، قوى الله به أزر المسلمين وأفشى القتل في المشركين، قسيم الجنان وباب الرحمة والرضوان، ثاني أصحاب الكسا في أذهاب الرجس وحامل لواء الحمد عن يمين العرش، وصاحب الحوض يسقي من شايع وبايع ويمنع من ناصب ونازع، ذاك أمير المؤمنين صلوات الله تختص أوصافه عن المشاركة وتخلص نعوته عن المزاحمة.
وكتب يصلح بين الأشراف العلوية بقزوين الحمد لله رب العالمين وصلاته على خيرته محمد وعترته. وقد علم الشريفان أن الصلح تجتمع أطرافه وتحرس أكنافه، باطراح الضغائن وتسوية الظواهر والبواطن، والأخذ بالخلق السمح وترك المشاحة والشح. وأن المعارة تورث التباعد وتزيل التعاون والترافد، والاشراف العلوية بقزوين بينهم وبين سائر الطوائف شحناء لا تكاد تسقط جمراتها ولا تنجلي غمراتها، وقد كتبت في ذلك كتابا أرجوه يجمع على الألفة ويحرس من الفرقة، وينظم على ترك المنازعة والجنوح إلى الموادعة، فان المهادنة تجمل بين الملتين فكيف بين النحلتين، والله نسأل توفيقا لأنفسنا ولهم. وإذا عرفت لما يجري من ذلك تأويلا وإن كان ضعيفا فليت شعري لم بين آل أبي طالب أيدهم الله تماد وتباغض وتناء وترافض، وشر قد تعدى إلى إراقة الدم وقطع العصم ونسيان الذمم وبيت الرسالة يجمعهم وظل النبوة يكنفهم ورحم الوصية تؤلفهم، وهل ذلك إلا من حبائل الشيطان ومكائده ونزعاته ومراصده، وقد اعتمدت الشريفين لأمرين عظيمين أولهما وأولاهما إزالة هذا التنازع والتقاطع، بين بني العم حتى يكونوا متوازرين متعادلين اخوانا متقابلين، وإن احتاج بعض إلى احتمال ضيم لبعض والتزام هضيمة وغض، فالدين يقتضي ذلك اقتضاء لا رخصة في تركه ولا تأويل في حله ولا عذر في هجره، وأنا أتوقع ما يكون من هؤلاء الأشراف أيدهم الله في الاستجابة لما رسمت والتزام ما ألزمت، ومن الشريفين أيدهما الله في إصلاح ذات البين والصبر على إيقاع الاتفاق ورفع الافتراق واستعادة الائتلاف وإماطة الاختلاف إن شاء الله تعالى.
من كتاب يعزي به أبا عن ولده هو الدهر فلا تعجب من طوارقه ولا تنكر هجوم بوائقه عطاؤه في ضمان الارتجاع وحباؤه في قران الانتزاع فلا القلق ينفع ولا الحيلة تدفع ولا الفدية تقبل ولا البلية تمهل وكل ذلك يزيد المؤمنين إيمانا فيعلم أن الأمر كله لمن يغلب ولا يغلب وابنك وإن كان طهرا فقد عاد أجرا فأحسن العزاء وأجمل الرجعى فما عند الله خير وأبقى. واعلم أن الناس قبلك فجعوا فجزعوا ثم لم يرد التسلب من مات ولم يرجع التهالك كل من فات. فعادوا إلى التسليم. وفوضوا إلى القادر الحكيم. وإن المرء ليقدم السلوة فيجبر مصابه كما يؤخرها فيحبط ثوابه. أخذ الله بك إلى ما هو أولى بسنك ودينك والله أسال لك ولنفسي التوفيق والتسديد إنه فعال لما يريد.