أحوال صاحب الترجمة كان المترجم منشئا بليغا جوادا كريما حليما له جلالة وشهرة وذكر له ياقوت في معجم الأدباء ترجمة طويلة مفصلة ويفهم من أثناء كلامه كما يأتي انه كان بمكانة من العلم وانه تولى كتابة الإنشاء السنين الكثيرة وانه لم يكن له نظير في زمانه في براعة لسانه وانه كان مرضيا عند الأعيان.
تشيعه ثم إن ياقوت في معجم الأدباء قال في أثناء ترجمة أحمد بن محمد بن ثوابة ما لفظه: كان محمد بن أحمد بن ثوابة كاتبا لبايكباك التركي فلما أغرى المهتدي بالرافضة قال المهتدي لبايكباك كاتبك والله أيضا رافضي فقال كذب والله على كاتبي فشهدت الجماعة عليه فقال كذبتم ليس كاتبي كما تقولون كاتبي خير فاضل يصلي ويصوم وينصحني ونجاني من الموت فغضب المهتدي وردد الايمان على صحة القول في ابن ثوابة وهو يقول لا لا فلما انصرف القوم من حضرة المهتدي أسمعهم بايكباك وشتمهم ونسبهم إلى اخذ الرشى وامر ببعضهم فنيل بمكروه واستتر ابن ثوابة وقلد المهتدي كتابة بايكباك غيره ونودي على ابن ثوابة واعتذر بايكباك إلى المهدي فصفح عنه وسال بايكباك موسى بن بغا التلطف في المسالة في الصفح عن ابن ثوابة فلما جدد المهتدي البيعة في دار اناجور التركي عاود بايكباك المسالة في كاتبه فوعده بالرضا عنه وقال: الذي فعلته به لم يكن لشئ كان في نفسي عليه يخصني لكن غضبا لله تعالى وللدين فإن كان نزع عما انكر منه وأظهر تورعا فاني قد رضيت عنه ثم رضي عنه سنة 250 وخلع عليه اربع خلع وقلده سيفا ورجع إلى كتابة بايكباك ميمون بن هارون اه فانظر إلى أي حد بلغت العداوة لاتباع أهل البيت ومحبيهم حتى صارت الشهادة عليهم بذلك توجب خوفهم واستتارهم ويرى المهتدي أذاهم نصرة للدين بزعمه ثم يعفو عنهم بشفاعة الأتراك المعلوم حالهم وظلمهم في دولة بني العباس وحتى يقول بايكباك في اعتذاره عن ابن ثوابة أنه يصلي ويصوم كان الشيعة لا يصلون ولا يصومون ومنهم ومن مواليهم عرف الورع والصلاة والصوم والفضل والخير والدين وسيعلم الذين ظلموهم أي منقلب ينقلبون. ثم إن قوله ان المهتدي رضي عنه سنة 250 لا يكاد يصح ويحتمل وقوع تحريف فيه من النساخ لما ستعرف من أن بيعة المهتدي كانت سنة 255.
ثم إن الظاهر أن مراد ياقوت بمحمد بن أحمد صاحب هذه الحكاية ولد صاحب الترجمة الذي كان كاتبا للمعتضد كما مر نقله عن ابن النديم فيكون أولا كاتبا لبايكباك في زمن المهتدي الذي بويع سنة 255 وقتل سنة 256 وبقي إلى زمن المعتضد الذي بويع سنة 279 ومات سنة 289 فصار كاتبا له. وهذه الحكاية صريحة في تشيع محمد بن أحمد بن ثوابة ويمكن أن يستظهر منها تشيع أبيه أحمد بن محمد بن ثوابة صاحب الترجمة فان ابنه لم يأخذ التشيع إلا عنه بل الظاهر أن آل ثوابة كلهم شيعة.
وحكى ياقوت في معجم الأدباء عن كتاب الوزراء لهلال بن المحسن حدث علي بن سليمان الأخفش عن المبرد انه كان في يوم نوبة له عند أبي العباس أحمد بن محمد بن ثوابة حتى دخل عليه غلامه وفي يده رقعة البحتري فقرأها أبو العباس ووقع فيها قال المبرد فرمى بها إلي وإذا فيها:
اسلم أبا العباس وابق * فلا أزال الله ظلك وكن الذي يبقى لنا * ونموت حين نموت قبلك لي حاجة أرجو لها * احسانك الأوفى وفضلك والمجد مشترط عليك * قضاءها والشرط أملك فلئن كفيت ملمها * فلمثلها أعددت مثلك وإذا قد وقع أبو العباس مقضية والله الذي لا إله إلا هو ولو أتلفت المال وأذهبت الحال. ومما يدل على كرمه وحمله ما في الأغاني قال حدثني أبو الفضل العباس بن أحمد بن محمد بن ثوابة قال قدم البحتري النيل على أحمد بن علي الإسكافي مادحا له فلم يثبه ثوابا يرضاه فهجاه بقصيدته التي يقول فيها:
ما كسبناه من أحمد بن علي * ومن النيل غير حمى النيل وهجاه بقصيدة أخرى وجمع إلى هجائه هجاء بني ثوابة فقال:
قصة النيل فاسمعوها عجابة * ان في مثلها تطول الخطابة ادعى النيل فرقتان تلاحوا * آل عبد الأعلى وآل ثوابة حكم العادل الجنيذي فيهم * بصواب فلا عدمنا صوابه إحفروا النيل يا بني عبد الاعلى * وأثيروا صخوره وترابه ان وجدتم فيه شباك أبيكم * كنتم دون غيركم أربابه أو وجدتم محاجما ان حفرتم * زال شك العصابة المرتابه فبدت جونة من الخوص فيها * آلة الشيخ وهو جد لبابه خالد لا سقى الاله صداه * فبنوه اللئام شانوا الكتابة وقال يهجو بني ثوابة أيضا:
ألا لله درك يا جللتا * وما أخرجت من أهل الكتابة نقلت عن المشارط والمواسي * إلى الأقلام حال بني ثوابة قال العباس بن أحمد: وبلغ ذلك أبي فبعث اليه بألف درهم وثياب ودابة بسرجها ولجامها، فرده وقال: قد أسلفتكم إساءة فلا يجوز معها قبول صلتكم! فكتب اليه أبي: اما الإساءة فمغفورة والحسنات يذهبن السيئات وما ياسو جراحك مثل يدك وقد رددت إليك ما رددته إلي وأضعفته فان تلافيت ما فرط منك أثبنا وشكرنا وان لم تفعل احتملنا وصبرنا فقبل ما بعث به وكتب اليه: كلامك الله أحسن من شعري وقد أسلفتني ما أخجلني وحملتني ما أثقلني وسيأتيك ثنائي، ثم غدا عليه بهذه القصيدة:
ضلال لها ما ذا أرادت إلى الصد * ونحن وقوف من فراق على حد مزاولة أن تخلط الود بالقلى * ومعزمة ان تلحق القرب بالبعد فلا تسألا عن هجرها ان هجرها * جنى الصبر يسقى مره من جني الشهد أيذهب هذا الدهر لم ير موضعي * ولم يدر ما مقدار حلي ولا عقدي ويكسد مثلي وهو تاجر سؤدد * يبيع ثمينات المكارم والمجد سوائر شعر جامع بدد العلى * تعلقن من قبلي وأتعين من بعدي يقدر فيها صانع متعمل * لاحكامها تقدير داود في السرد رحيل اشتياق مبرح وصبابة * إلى قرية النعمان والسيد الفرد إلى سابق لا يعلق القوم شاوه * بسعي ولا يهدون منه إلى قصد إلى ابيض الاخلاق ما مر ابيض * من الدهر الا عن جدا منه أو رفد ويخشى شذاه وهو غير مسلط * وقد يتوقى السيف والسيف في الغمد وقد دفعوا بخل الزمان بجوده * ولا طب حتى يدفع الضد بالضد وقال يمدحه أيضا:
ان دعاه داعي الهوى فاجابه * ورمى قلبه الصبا فأصابه