الرزق. وبالاستخلاص يستحق الجزاء وبسلامة الصدر توضع المحبة في القلب وبالكف عن المحارم ينال رضى الرب وبالحكم يكشف غطاء العلم ومع الرضا يطيب العيش وبالعقول تنال ذروة الأمور وعند نزول البلاء تظهر فضائل الإنسان وعند طول الغيبة تظهر مواساة الاخوان وعند الحيرة تستكشف عقول الرجال وبالاسفار تخبر الاخلاق ومع الضيق يبدو السخاء، وفي الغضب يعرف صدق الرجال، وبالايثار على النفس تملك الرقاب وبالأدب الصالح يلهم العلم وبترك الخطا يسلم من العيوب وبالزهد تقام الحكمة وبالتوفيق تحرر الاعمال وعند الغايات تظهر قوى العزائم وبصاحب الصدق يتقوى على الأمور وبالملاقاة يكون ازدياد المودات ومع الزهد في الدنيا تثبت المؤاخاة ومن الوفاء دوام المواصلة ومن قبول رشد العالم ركوب مطية العلم ومن استقامة النية اختيار صحبة الأبرار ومن مصافحة الغرر ركوب البحر ومن عز النفس لزوم القناعة ومن سلطان النفس التجلد على من يطمع في دينك ومن الدخول في كامن الصدق الوقوع على ما لا تعرفه العوام ومن حب الصحة الانقطاع عن الشهوات، ومن خوف المعاد الانصراف عن السيئات، ومن طلب الفضول الوقوع في البلايا ومن لم يجد للإساءة اليه مضضا لم يجد للاحسان عنده موقعا، قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، الحسود لا يسود، منازع الحق مخصوم، أولى الناس بالفضل أعودهم بفضله، أعون الأشياء على تذكية العقل التعلم وأدل الأشياء على عقل العاقل حسن التدبير، المستشير متحصن عن السقط، المستبد متهور في الغلط، من ألبسه الحياء ثوبه غطى عن الناس عيبه. أحسن الآداب ان لا يفخر المرء بأدبه ولا يظهر القدرة على من لا قدرة له عليه ولا يتوانى في العلم إذا طلبه ثلاثة ضروب من الناس لا يستوحشون في غربة ولا يقصر بهم عن مكرمة الشجاع حيثما توجه فان بالناس حاجة إلى شجاعته وبأسه، والعالم فان بالناس حاجة إلى علمه، والحلو اللسان الظاهر البيان فان الكلمة تحوز له بحلاوة لسانه ولين كلامه، فإن لم تعطوا في القسمة رباطة الجاش وجرأة الصدر فلا يفوتنكم العلم وقراءة الكتب فإنه أدب وعلم قد قيده لكم من مضى من قبلكم لتزدادوا به عقلا، اجعل الحلم عدة للسفيه. تم الكتاب والحمد لله وحده هذا آخر المختصر.
ثم ذكر بعده خبر الكتاب وقد تقدم، ثم قال: قال أحمد بن محمد مسكويه فهذا آخر كتاب أوشيهنج وخبره مع ذوبان وقد سمعت شغف المأمون به وستسمع مما أضفناه اليه ما لا تخفى زيادة حسنة عليه من قرائح الحكماء ونتائج أفكارهم واتفاقهم مع تباعد أقطارهم فأقول:
كل انسان يحب نفسه وكل من أحب شيئا أحب ان يحسن اليه فليت شعري عمن لا يعرف نفسه كيف يحسن إليها ومن لا يعرف طريق الاحسان كيف يسلكه ولقد سمعت وزيرا من وزراء عصرنا وقد أقام لنفسه وظيفة ليستفره فيها طباخه وصاحب شرابه وزين مجلسه كل يوم بريحان الوقت وفاكهته واحضر اليوم الذي دعاني فيه من أغانيه ما كان يعجبه ويطرب له فقال في عرض كلامه ان عشت فسأحسن إلى نفسي فتدبرت كلامه وفعاله وإذا هو لا يدري كيف يحسن إلى نفسه ولا يفرق بين الاحسان إلى بدنه بركوب الشهوات وبين الاحسان إلى نفسه بمعرفة الحقائق والتقرب إلى الله عز وجل بأنواع القربات فكان من عاقبة امره ان حسده نظراؤه فأزالوا عن موضعه ونكبوه في نعمته وأشمتوا به أعداءه ثم وقع في أمراض لم يجنها عليه الا انهماكه في مطعمه ومشربه وتمكنه من نيل لذاته. ثم أقول أيضا لو كانت معرفة النفس امرا سهلا ما تعبت بها الحكماء ولا تبرمت بها الجهال ولما انزل في الوحي القديم يا انسان اعرف ذاتك وقد قال الله عز من قائل في محكم كتابه يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك إلى آخر الآية وروينا في الخبر الصحيح ان من عرف نفسه عرف ربه. وفي حديث آخر من عرف ربه لم يشق، وقال المسيح ع: بما ذا نفع امرؤ نفسه باعها بجميع ما في الدنيا ثم ترك ما باعها ميراثا لغيره وأهلك نفسه ولكن طوبى لامرئ خلص نفسه واختارها على جميع الدنيا، وفي الوحي القديم من لم يعرف نفسه ما دامت في جسده فلا سبيل له إلى معرفتها بعد مفارقتها جسده. من لم يتفكر في كل شئ خفي عليه كل شئ، من لم يعرف معدن الشر لم يقدر على النجاة منه، نظر النفس للنفس هو العناية بالنفس، ردع النفس للنفس هو العلاج للنفس، عشق النفس للنفس هو المرض للنفس، النفس العزيزة هي التي لا تؤثر فيها النكبات، النفس الكريمة هي التي لا تثقل عليها المؤنات.
حكم لفرس قال أذرياذ لابنه يعظه: يا بني اقتصد في القرى تكن مضيافا، وتمسك بالقناعة تكن رخي البال، واستشعر الرضا تكن وادعا، واجتهد في الطلب تكن واجدا، وتجنب الذنوب تكن آمنا والزم القصد تكن أمينا، وحالف الأدب تكن عالما وثابر على الشكر تكن مستوجبا والزم التواضع تكن كثير الاخوان، وكن لروحك مصافيا برا طاهرا، لا تدعن من اجل اكتساب المال ما هو أفضل من المال، لا تتركن من اجل حظوظ الدنيا الفانية، طلب الفوز بحظوظ الآخرة الباقية، وليكن العلم أحظى الأشياء وأكرمها عليك، أنعم الوعي عن العلماء وأحسن الطاعة لأهل القدرة، عاشر الأصدقاء بما لا تحتاج معه إلى حاكم، درب نفسك على التواضع للناس فلن يضع ذلك منك بل يرفعك ويزيد في مقدارك، لا تستعمل اليقين في الأمور التي يعرض فيها الشك، ليكن ذكر المعاد وخوف العقاب منك على بال لا تثقن بالشفعاء، لا تستعمل الثقة بالنساء ولا تفش إليهن سرا لا تهتم بما لم يحدث ولا تذكرن ما مضى لك من قول وعمل واستشعر الرضا والتسليم لما قد حدث، لا تغرمن بافتتاح المنطق في المجالس قبل كل أحد، لا تداين الرجل القوي فيلحقك التعب عند محاولتك استرجاع ذلك منه، لا تنازع الأكفاء في المتكا ولا في المراتب، لا تطلعن الحسود على جدبك، لا تخاطرن أحدا، لا تثقن بشئ في عالم الكون والفساد أصلا، لا تطاعم الشره الوقح، لا تعاشر الرجل السكير السئ الخلق، لا تنازع الأديب المفوه، لا تماش الأثيم، استعمل الرجل العفيف بوابا والحر الذكي رسولا والحر الكريم صديقا لئلا يخذلك ولا يخونك. لا تستعمل الغش والتمويه في شئ من أمورك، تنكب البطر والاستكانة فان العالم الأديب لا تسكره النعمة ولا تكرثه النكبة، إذا رأيتم الامر المنكر الغريب فلا يتداخلنكم الارتياب بربكم ولا تندموا على ما قدمتم من الخير والبر، لا تأسفن على ما فاتك من الثراء فإنه المال شبيه بطائر ينتقل من نشز إلى نشز فهو عند اقباله سريع الاقبال وعند ادباره حثيث الانتقال لا تؤانسن المعجب الكفور الذي يعيب الناس فإنك منه بعرض غرم مجحف بما لا تعدم على بابك شفيعا ممن يثقل عليك رده وتصعب مخالفته فيما يسألك.