جعفر بن سليمان الضبعي ينشد شعر السيد. وقال الموصلي حدثني عمي قال جمعت للسيد في بني هاشم ألفين وثلاثمائة قصيدة فخلت ان قد استوعبت شعره حتى جلس إلي يوما رجل ذو اطمار رثة فسمعني انشد شيئا من شعره فأنشدني له ثلاث قصائد لم تكن عندي فقلت في نفسي لو كان هذا يعلم ما عندي كله ثم أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجيبا فكيف وهو لا يعلم وانما انشد ما حضره وعرفت حينئذ ان شعره ليس مما يدرك ولا يمكن جمعه كله انتهى قال المؤلف للسيد ديوان شعر معروف. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة الدارقطني علي بن عمر بن أحمد صاحب السنن الحافظ المشهور انه كان يحفظ ديوان السيد الحميري ولهذا نسب إلى التشيع انتهى أقول والظاهر أن هذا الديوان هو جملة من مشهور قصائده والا فقد سمعت ان جميع شعره لا يدرك ولا يمكن جمعه كله وإذا كان قد جمع له في بني هاشم خاصة ألفان وثلاثمائة قصيدة سوى شعره في غيرهم وليست هي جميع شعره في بني هاشم وإذا كانت ميمياته حمل حمال مثقل كما مر فلا بد ان يكون هذا الديوان بعض شعره. وفي الأغاني عن الطوسي إذا رأيت في شعر السيد دع ذا فدعه فإنه لا يأتي بعده الا بلية من بلاياه وفيه بسنده عن الزبير بن بكار قال سمعت عمي يقول لو أن القصيدة التي أولها:
ان يوم التطهير يوم عظيم * خص بالفضل فيه أهل الكساء قرئت على منبر ما كان فيها باس ولو أن شعره كله كان مثله لرويناه وما عييناه وفيه بسنده عن نافع التوزي بهذه الحكاية بعينها قاله في: ان يوم التطهير يوم عظيم قال الراوي: ولم يكن التوزي متشيعا وفيه بسنده عن الحسين بن ثابت قدم علينا رجل بدوي كان أروى الناس لجرير فكان ينشد في الشئ من شعره فأنشد في معناه للسيد حتى أكثرت فقال لي ويحك من هذا؟ هو والله أشعر من صاحبنا وفيه بسنده عن إسحاق بن محمد سمعت العتبي يقول ليس في عصرنا هذا أحسن مذهبا في شعره ولا أنقى ألفاظا من السيد ثم قال لبعض من حضر أنشدني قصيدته اللامية التي أنشدتناها اليوم فأنشده قوله:
هل عند من أحببت تنويل * أم لا فان اللوم تضليل أم في الحشى منك جوى باطل * ليس تداويه الأباطيل علقت يا مغرور خداعة * بالوعد منها لك تخييل ريا رداح النوم خمصانة * كأنها إدماء عطبول يشفيك منها حين تخلو بها * ضم إلى النحر وتقبيل وذوق ريق طيب طعمه * كأنه بالمسك معلول في نسوة مثل ألمها خرد * تضيق عنهن الخلاخيل يقول فيها:
اقسم بالله وآلائه * والمرء عما قال مسؤول ان علي بن أبي طالب * على التقى والبر مجبول فقال العتبي: أحسن والله ما شاء هذا والله الشعر الذي يهجم على القلب بلا حجاب انتهى وقد ذكرنا تتمتها في جعفر بن عفان وهي:
وانه الهادي الامام الذي * له على الأمة تفضيل يقول بالحق ويقضي به * وليس تلهيه الأباطيل كان إذا الحرب مرتها القنا * وأحجمت عنها البهاليل مشى إلى القرن وفي كفه * ابيض ماضي الحد مصقول مشي العفرني بين اشباله * ابرزه للقنص الغيل وفيه عن الحسن بن علي بن المعتز الكوفي عن غانم الوراق قال خرجت إلى بادية البصرة فصرت إلى عمرو بن تميم فأثبتني بعضهم فقال هذا الشيخ والله راوية فجلسوا إلي وأنسوا بي وأنشدتهم وبدأت بشعر ذي الرمة فعرفوه وبشعر جرير والفرزدق فعرفوهما ثم أنشدتهم للسيد:
أتعرف رسما بالثويين قد دثر * عفته أهاضيب السحائب والمطر وجرت به الأذيال ريحان خلفه * صبا ودبور بالعشيات والبكر منازل قد تكون بجوها * هضيم الحشا ريا الشوى سحرها النظر قطوف الخطا خمصانة بخترية * كان محياها سنا دارة القمر رمتني ببعد بعد قرب بها النوى * فبانت ولما اقض من عبدة الوطر ولما رأتني خشية البين موجعا * أكفكف مني أدمعا بيضها درر أشارت بأطراف إلي ودمعها * كنظم جمان خانه السلك فانتثر وقد كنت مما احدث البين حاذرا * فلم يغن عني منه خوفي والحذر قال فجعلوا يمزقون كذا لانشادي ويطربون وقالوا لمن هذا فأعلمتهم فقالوا هذا والله أحد المطبوعين لا والله ما بقي في هذا الزمان مثله. وفي فوات الوفيات للكتبي: قال المازني سمعت أبا عبيدة يقول: ما هجا أمية أحد كما هجاهم يزيد بن مفرع والسيد الحميري انتهى ويزيد بن مفرع جده الأدنى كما مر. وفي تاريخ ابن عساكر في ترجمة أبي نواس الحسن بن هانئ قال أبو تمام أشعر الناس وأسهبهم في الشعر كلاما بعد الطبقة الأولى بشار والسيد وأبو نواس ومسلم بن الوليد بعدهم انتهى وفي فوات الوفيات للكتبي: السيد الحميري إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة كان شاعرا محسنا كثير القول الا انه كان رافضيا جلدا زائغا عن القصد له مدائح جمة في آل البيت وكان مقيما بالبصرة. وقال المرزباني في معجم الشعراء: انه إسماعيل بن محمد بن وداع الحميري وكان أسمر تام القامة حسن الألفاظ جميل الخطاب مقدما عند المنصور والمهدي ومات أول أيام الرشيد انتهى فوات الوفيات أقول من خصائص شعره السهولة والعذوبة والانسجام وطول النفس وذكر الاخبار والمناقب بما يسمونه الشعر القصصي ولم يترك فضيلة لأمير المؤمنين ع الا نظم فيها كما مر وكان معظما عند ملوك عصره من بني العباس في قوة سلطانهم وتشددهم على اتباع العلويين ومعاقبتهم بالحبس والنفي والقتل من هو أهون حالا وأشد تسترا من السيد مثل المنصور والمهدي والرشيد الذين هم من أشد بني العباس في ذلك ومع هذا كانوا يتغاضون عنه خوفا من لسانه ورعاية لمكانه.
أبواه خارجيان وهو شيعي في الأغاني بسنده عن إسماعيل بن الساحر راوية السيد ان أبوي السيد كانا أباضيين وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبة وكان السيد يقول طالما سب أمير المؤمنين في هذه الغرفة فإذا سئل عن التشيع من أين وقع له قال غاصت علي الرحمة غوصا وقال إسماعيل بن الساحر راويته: كنت عنده يوما في جناح له فأجال بصره فيه ثم قال يا إسماعيل طالما والله شتم أمير المؤمنين علي في هذا الجناح قلت ومن كان يفعل ذلك قال أبواي.
وروي عن السيد ان أبويه لما علما بمذهبه هما بقتله فاتى عقبة بن مسلم بن المهنا فأخبره بذلك فأجاره وبوأه منزلا وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما انتهى وقال المرزباني في تلخيص اخبار شعراء الشيعة المقدم ذكره: كان