ووافى قسطنطين بن الدمستق ليزيله عنها فلم يقدر وكان التنوخي جبانا فكتب التنوخي إلى أبي فراس قصيدة منها:
أيا بدر السماء بلا محاق * ويا بحر السماح بغير شاطي أأترك ان أبيت قرير عين * لقى بين الدساكر والبواطي وأخرج نحو رعبان كأني * بمنبج قد دعيت إلى سماط أحاذر من دواه موبدات * هنالك ان يقعن على قماطي وأكتب ان كتبت إليك يوما * كتبت إليك من دار العلاطي 48: أبو العلاء المعري التنوخي أحمد بن عبد الله في معجم الأدباء: ولد بمعرة النعمان سنة 363 وتوفي بها يوم الجمعة 2 ربيع الأول سنة 449 عن 86 سنة.
وفيه: حدث أبو زكريا قال: لما مات أبو العلاء انشد على قبره أربعة وثمانون شاعرا مراث من جملتها ابيات لعلي بن الهمام من قصيدة طويلة:
ان كنت لم ترق الدماء زهادة * فلقد أرقت اليوم من جفني دما سيرت ذكرا في البلاد كأنه * مسك مسامعها يضمخ أو فما ونرى الحجيج إذا أرادوا ليلة * ذكراك أوجب فدية من أحرما يقول إن ذكرك طيب والطيب لا يحل لمحرم فيجب عليه فدية.
المعري نسبة إلى معرة النعمان من بلاد الشام. وفي معجم الأدباء كان في آبائه وأعمامه ومن تقدمه من أهله وتأخر عنه من ولد أبيه ونسله فضلاء وقضاة وشعراء وذكر جماعة منهم لا نطيل بذكرهم.
أقوال العلماء فيه في معجم الأدباء: كان غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم عالما باللغة حاذقا بالنحو جيد الشعر جزل الكلام شهرته تغني عن صفته وفضله ينطق بسجيته.
اخباره في معجم الأدباء: ولد بمعرة النعمان 363 واعتل علة الجدري التي ذهب فيها بصره 367 وقال الشعر وهو ابن 11 سنة ورحل إلى بغداد سنة 398 فأقام بها سنة وسبعة أشهر ثم رجع إلى بلده فأقام بها ولزم منزله إلى أن مات بالتاريخ المتقدم. قال: ونقلت من بعض الكتب ان أبا العلاء لما ورد إلى بغداد قصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال علي بن عيسى ليصعد الإصطبل فخرج مغضبا ولم يعد اليه، والاصطبل في لغة أهل الشام الأعمى ولعلها معربة. ودخل على المرتضى أبي القاسم فعثر برجل فقال من هذا الكلب فقال المعري الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما وسمعه المرتضى فاستدناه واختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فاقبل عليه اقبالا كثيرا، وكان أبو العلاء يتعصب للمتنبي ويزعم أنه أشعر المحدثين ويفضله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام وكان المرتضى يبغض المتنبي ويتعصب عليه فجرى يوما بحضرته ذكر المتنبي فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه فقال المعري لو لم يكن للمتنبي من الشعر الا قوله: لك يا منازل في القلوب منازل لكفاه فضلا فغضب المرتضى وامر فسحب برجله واخرج من مجلسه وقال لمن بحضرته أتدرون اي شئ أراد بذكر هذه القصيدة فان للمتنبي ما هو أجود منها أراد قوله في هذه القصيدة:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي باني كامل أقول: مر في الجزء الثامن في ترجمة المتنبي ذكر هذه القصة وقلنا هناك الظاهر أنها موضوعة. ونقول هنا: قوله: ان المرتضى كان يبغض المتنبي ويتعصب عليه لا يكاد يصح، فإنه لا موجب لبغضه إياه وليس معاصرا له فمولد المرتضى قريب من وفاة المتنبي، ولا لتعصبه عليه، فالمرتضى في علمه وفضله ومعرفته لم يكن ليتعصب على ذي فضل كالمتنبي ولا ليجهل مكانته في الشعر، والمعري مع علمه بجلالة قدر المرتضى وعلو مكانه لم يكن ليواجهه بهذا الكلام، وقد ذكرنا هناك ان للمعري بيتين من قصيدة يرثي بها والد الشريف المرتضى وقد وقع خطا في نقل الأول منهما لاعتمادنا فيه على نقل بعض الفضلاء الذي كان حاضرا في المجلس ثم ارسل الينا انه بعد مراجعة ديوان المعري تبين له غلطه في الرواية وان الصواب هكذا:
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما * خطط العلا بتناصف وتصافي حلفا ندى سبقا وصلى الأطهر * المرضي فيا لثلاثة احلاف والأطهر المرضي هو ابن للشريف المرتضى.
ولما رجع إلى المعرة لزم بيته فلم يخرج منه وسمى نفسه رهين المحبسين يعني حبس نفسه في المنزل وترك الخروج منه وحبسه عن النظر إلى الدنيا بالعمى.
مذهبه اختلف الناس فيه فبين ناسب له إلى الالحاد والتعطيل وبين قائل انه مسلم موحد. في معجم الأدباء: كان متهما في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى إفساد الصورة ولا يأكل لحما ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور وعاش ستا وثمانين سنة لم يأكل اللحم منها خمسا وأربعين سنة، وحدثت انه مرض مرة فوصف الطبيب له الفروج فلما جئ به لمسه بيده وقال:
استضعفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الأسد. وحدث غرس النعمة أبو الحسن الصابي انه بقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ويحرم ايلام الحيوان ويقتصر على ما تنبت الأرض ويلبس خشن الثياب ويظهر دوام الصوم.
قال: ولقيه رجل فقال لم لا تأكل اللحم قال ارحم الحيوان قال فما تقول في السباع التي لا طعام لها الا لحوم الحيوان فإن كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه وان كانت الطبائع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها ولا اتقن عملا فسكت. قال ابن الجوزي: وقد كان يمكنه ان لا يذبح رحمة واما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة بقيت. قال: وقد حدثنا عن أبي زكريا أنه قال: قال لي المعري ما الذي تعتقده؟ فقلت في نفسي اليوم أقف على اعتقاده، فقلت له ما انا الا شاك، فقال وهكذا شيخك، قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني: قال لي المعري لم اهج أحدا قط، فقلت له صدقت، الا الأنبياء ع فتغير وجهه.
قال المؤلف: اما عدم ذبحه الحيوان وعدم اكله اللحوم فكاد يكون متواترا عنه ومر في مرثية علي بن الهمام له قوله:
ان كنت لم ترق الدماء زهادة * فلقد أرقت اليوم من جفني دما