وان أسئ إليك فاغفر، وان أحسن إليك فاشكر، وان ابتليت فاصبر، احفظ العبر واحذر الغير، انصح المؤمنين، وعد مرضاهم، واشهد جنائزهم، وأعن فقراءهم، اقرض خلطاءك، وانظر غرماءك، والزم بيتك، واقنع بقوتك، تخلق باخلاق الكرام، واجتنب اخلاق اللئام، اعلم يا بني ان المقام في الدنيا قليل، والركون إليها غرور، والغبطة فيها حلم، وكن سمحا سهلا خزينا أمينا، وكلمة جامعة اتق الله في جميع أحوالك، ولا تعصه في شئ من أمورك قال خالد بن صفوان رأيت رجلا شتم عمرو بن عبيد فما أبقى شيئا، فلما سكت قال له عمرو: آجرك الله على الصواب وغفر لك الخطا وسئل الحسن عن قوله تعالى جده ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا ما الثمن القليل؟ قال الدنيا بحذافيرها وحكي ان بعض أهل البطالة مر بالمسيح ع وقد توسد حجرا فقال يا عيسى قد رضيت من الدنيا بهذا الحجر؟ فقذف به اليه وقال هذا لك مع الدنيا لا حاجة لي فيه وقال آخر من ذا الذي بلغ جسيما فلم يبطر واتبع الهوى فلم يعطب، وجاور النساء فلم يفتن، وطلب إلى اللئام فلم يهن، وواصل الأشرار فلم يندم، وصحب السلطان فدامت سلامته. وقال أمير المؤمنين ع. ان أخيب الناس سعيا وأخسرهم صفقة رجل أتعب بدنه في آماله وشغل بها عن معاده فلم تساعده المقادير على ارادته، وخرج من الدنيا بحسرته، وقدم على آخرته بغير زاد وقال ع: قبح الله الدنيا! فإنها إذا أقبلت على انسان أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه وقال المسيح ع لقوم غلوا فيه: اني أصبحت لا أملك ما أرجو، ولا أستطيع دفع ما أجد، وانا مرتهن بعملي والخير كله بيد غيري، فأي فقير أفقر مني، وأي عبد أحوج إلى مولاه مني أسمع رجل الأحنف فأكثر، فلما سكت قال الأحنف: يا هذا! ما ستر الله أكثر وقال الأحنف: العجلة في خمسة أشياء محمودة:
في الكريمة إذا خطبها كفوء ان تزفها، وفي الميت حتى تخرجه، وفي عيادة المرضى حتى تخرج من عنده، وفي الصلاة إذا حضر وقتها حتى تؤديها، وفي الضيف إذا نزل حتى تدني اليه الطعام وقيل للحصين ما السرور؟
قال: عقل يقيمك، وعلم يزينك وولد يسرك، ومال يسعك، وأمن يريحك، وعافية تجمع لك المسرات سمع أمير المؤمنين رجلا يغتاب رجلا عند ابنه الحسن ع فقال يا بني نزه سمعك عنه، فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فافرغه في وعائك وقال سفيان الثوري: إذا لم يكن لله في العبد حاجة خلى بينه وبين الدنيا وقال بعض النساك:
الوحدة رأس العبادة وقال ذو النون: من انس بالوحدة كان الحق مؤنسه وقال آخر من انس بالوحدة فقد اعتقد الاخلاص وقال قيس بن عاصم. السؤدد هو بذل الندى وكف الأذى ونصرة المولى. تزوج اعرابي امرأة جميلة وكان الاعرابي دميما فقالت له يوما: اني أرجو ان أكون انا وأنت من أهل الجنة! فقال: ومن أين حكمت لنا بها؟
قالت لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأعطيت مثلك فصبرت. وقيل ليس من شريطة العقل ان يتعجل الإنسان غم ما لم يصبه، فيجعل ساعة السرور غما، وساعة الراحة تعبا، فيضاعف بذلك على نفسه الغموم. وسئل بعضهم من الحكيم؟ فقال: من عرف معائب الدنيا، وذلك أن من عرف معائبها لم يغتر بها ولم يركن إليها وقال بعضهم وكان مر بباب دار وأهلها يبكون ميتا فقال: عجبا لقوم يبكون مسافرا قد بلغ منزله. وقيل لزاهد: من الزاهد في الدنيا؟
قال الذي لا يطلب المفقود حتى الموجود. أوحى الله تعالى إلى داود ع: بشر المذنبين وأنذر الصديقين فكأنه عجب، وقال أبشر المذنبين وأنذر الصديقين، فقال نعم بشر المذنبين انه لا يتعاظمني ذنب أغفره، وأنذر الصديقين، ان لا يعجبوا باعمالهم وقال آخر أربعة أشياء لا ينبغي ان يستقل قليلها الذنب الصغير، والدين اليسير، والعدو الحقير، والحرص القليل. اعلم أن رأيك لا يتسع لكل شئ ففرغه للمهم، وان مالك لا يغني الناس كلهم فاخصص به أهل الحق، وان كرامتك لا تطبق العامة فتوخ بها أهل الفضل، وان الليل والنهار لا يستوعبان حاجتك، فبادر باجداها عليك. أوحى الله تعالى إلى داود طهر ثيابك الباطنة فان الظاهرة لا تنفعك عندي، يا داود لو رأيت الجنة وما أعددت فيها لقل نظرك إلى الدنيا، وأفضل من الجنة ان ارفع حجبي عني وأقول أين المشتاقون. وقيل إن العجز عجزان التقصير في طلب الأمر وقد أمكن، والجد في طلبه وقد فات وكان الأصمعي يقول احضر الناس جوابا من لم يغضب. وقال جعفر الصادق ع: إياك وسقطة الاسترسال فإنها لا تستقال وأجمعت الحكماء على أن أوضع الناس من عمل على الرهبة، وأجمعت على أن من عاتب ووبخ فقد استوفى حقه. وأجمعت على أن خير الناس من نفع الناس وأذل الناس من تاه على الناس. وبلغ المنذر ان شيخا في بعض الاحياء أتت عليه مائة وعشرون سنة، في اعتدال من جسمه، ونضارة في لونه، وقوة في نفسه، مع نشاط وشهوة، فبعث اليه واحضره ثم سأله عن سيرته؟ فقال: ما احتملت هما يبعد علي مدافعته، ولا طاولت قرينة أكرهها، ولا اجتمع في جوفي طعامان، وإذا أردت شرب شراب شربته رقيقا طيبا لا أثمل معه، وإذا اجتمع في بدني خلط استفرغته، وخلة واحدة وجدتها من انفع الخلال في صحة البدن ما استدعيت الباه بحركة الا ان تهيج به الطبيعة فإذا كان ذلك أقللت الحركة بقية يومي واخذت من الغذاء والنوم بحظ. وقيل في حفظ الصحة: لا ينبغي ان تأكل الا على نقاء تام وجوع صادق من طعام موافق وتكف عن الطعام وأنت تشتهيه. ولا تبادر إلى شرب الماء حتى تستوفي غذاءك، وتصبر بعده ساعة، وترتاض قبله بحركة معتدلة، ولا تأكلن في ظلمة، ولا تنم تحت شجرة مجهولة، ولا تطعم ما لا تعرفه، ولا من طعام حار جدا، ولا محترق ولا دسم جدا، وليكن طعامك خبز البر واللحم الرخص، وشرابك ماء الكرم الرقيق الصافي، وجماعك للشابة، وخدمك الولدان، ورفقاؤك المساعدون من أهل الفضل. أنفاس المرء خطاه إلى اجله. وأمله خادع له عن عمله. وكان الحسن البصري يقول: رحم الله أقواما كانت الدنيا عندهم وديعة فأدوها إلى من ائتمنهم عليها وراحوا خفافا وقال: قد رأينا من أعطي الدنيا بعمل الآخرة، وما رأينا من أعطي الآخرة بعمل الدنيا. وقال يحيى بن معاذ: عجبت ممن لم يبق له مال ورب العرش يستقرضه. سال إبراهيم بن أدهم راهبا: من أين تأكل؟ فقال: ليس لهذا جواب عندي! ولكن سل ربي من أين يطعمني وقال آخر: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف من الفقر لنجا منهما جميعا، ولو رغب في الجنة كما رغب في الغنى لوصل اليهما جميعا ولو خاف الله في الباطن كما خاف خلقه في الظاهر لسعد في الدارين. وقال شقيق: اختار الفقراء ثلاثة أشياء. واختار الأغنياء ثلاثة اما الفقراء فاختاروا اليقين وفراغ القلب وخفة الحساب، واما الأغنياء فاختاروا تعب النفس وشغل القلب، وشدة الحساب. وقال يحيى بن معاذ: ان العالم إذا لم يكن زاهدا فهو عقوبة