عليه قوله السابق: غاصت علي الرحمة غوصا لكنه قد صرح هو نفسه فيما تقدم انه كان يتشيع وهو صبي وهو عند أبويه قبل ان يكبر قليلا وانه لما كبر قليلا خرج عنهما ولعل هذا يدل على أن تشيعه كان في أول سن التمييز والله أعلم.
القول بعدم رجوعه عن مذهب الكيسانية في الأغاني بسنده عن مسعود بن بشر ان جماعة تذاكروا أمر السيد وانه رجع عن مذهبه في ابن الحنفية وقال بامامة جعفر بن محمد فقال إسماعيل بن الساحر راويته والله ما رجع عن ذلك ولا القصائد الجعفريات الا منحولة له قيلت بعده وآخر عهدي به قبل موته بثلاث وقد سمع رجلا يروي عن النبي ص أنه قال لعلي ع سيولد لك بعدي ولد وقد نحلته اسمي وكنيتي فقال في ذلك وهي آخر قصيدة قالها:
اشاقتك المنازل بعد هند * وتربيها وذات الدل دعد وريح حجرف تستن فيها * بسافي التراب تلحم ما تسدي ألم يبلغك والأنباء تنمى * مقال محمد فيما يؤدي إلى ذي علمه الهادي علي * وخولة خادم في البيت تردي ألم تر ان خولة سوف تأتي * بواري الزند صافي الخيم نجد يفوز بكنيتي واسمي لأني * نحلتهما هو المهدي بعدي يغيب عنهم حتى يقولوا * تضمنه بطيبة بطن لحد سنين وأشهرا أو يرى برضوى * بشعب بين انمار واسد مقيم بين آرام وعين * وحفان تروح خلال ربد تراعيها السباع وليس منها * ملاقيهن مفترسا بحد امن به الردى فرتعن طورا * بلا خوف لدى مرعى وورد حلفت برب مكة والمصلى * وبيت طاهر الأركان فرد يطوف به الحجيج وكل عام * يحل لديه وفد بعد وفد لقد كان ابن خولة غير شك * صفاء ولايتي وخلوص ودي فما أحد أحب إلي فيما * أسر وما أبوح به وأبدي سوى ذي الوحي احمد أو علي * ولا أزكى وأطيب منه عندي ومن ذا يا ابن خولة إذ رمتني * بأسهمها المنية حين وعدي يذبب عنكم ويسد مما * تثلم من حصونكم كسدي وما لي ان امر به ولكن * أؤمل ان يؤخر يوم فقدي فأدرك دولة لك لست فيها * بجبار فتوصف بالتعدي على قوم بغوا فيكم علينا * لنعدى منكم يا خير معدي لتعل بنا عليهم حيث كانوا * بغور من تهامة أو بنجد إذا ما سرت من بلد حرام * إلى من بالمدينة من معد وماذا غرهم والخبر منهم * باشوس اعصل الأنياب ورد وأنت لمن بغى وعدا وأذكى * عليك الحرب واسترداك مردي إلى أن قال: وكان يذهب مذهب الكيسانية ويقول بامامة محمد بن الحنفية وله في ذلك شعر كثير وقد روى بعض من لم تصح روايته انه رجع عن مذهبه قال بمذهب الإمامية وله في ذلك:
تجعفرت باسم الله والله أكبر * وأيقنت ان الله يعفو ويغفر وما وجدنا ذلك في رواية محصل ولا شعره أيضا من هذا الجنس ولا في هذا المذهب لأن هذا شعر ضعيف يتبين التوليد فيه وشعره في قصائده الكيسانية مباين لهذا جزالة ومتانة وله رونق ومعنى ليسا لما يذكر عنه في غيره. وروى في الأغاني عن أبي داود سليمان بن سفيان المعروف بالمسترق راوية السيد الحميري قال ما مضى والله الا على مذهب الكيسانية وهذه القصائد التي يقولها الناس مثل:
تجعفرت باسم الله والله أكبر: تجعفر باسم الله فيمن تجعفرا وقوله:
أيا راكبا نحو المدينة جسرة * عذافرة يهوي بها كل سبسب إذا ما هداك الله لاقيت جعفرا * فقل يا امين الله وابن المهذب لغلام للسيد يقال له قاسم الخياط قالها ونحلها السيد وجازت على كثير من الناس ممن لم يعرف خبرها بمحل قاسم منه وخدمته إياه انتهى أقول: الروايات متكثرة في رجوعه و ترحم الصادق ع فلا يلتفت إلى ما ذكر، ودعوى ان شعره في الكيسانية أقوى وامتن من شعره المنسوب اليه في رجوعه غير مسلمة فان شعره تغلب عليه السهولة و السلاسة مما قد يظن أنه ركة وضعف. ويأتي في اخباره مع سوار القاضي تصريح سوار بأنه كان كيسانيا فصار اماميا واعترف السيد بذلك.
مناقشة الدكتور طه حسين ومما يناسب ذكره هنا والحديث شجون ان الدكتور طه حسين المصري ذكر في كتابه تجديد ذكرى أبي العلاء التناسخ وقال إنه معروف عند العرب منذ أواخر القرن الأول والشيعة تدين به وببعض المذاهب التي تقرب منه كالحلول والرجعة وليس بين أهل الأدب من يجهل ما كان من سخافات السيد الحميري وكثير في ذلك انتهى والعجيب من ابن آدم انه يتكلم في كل شئ مما يعلم ومما لا يعلم ويقوده التقليد إلى خبط العشواء.
عرفنا تعصب المتعصبين على الشيعة من مظهري النسك والدين وهو منهم برئ ممن لا يشبهون الدكتور في جميع أمورهم وحالاتهم لأمور ألفوها وعقائد تلقفوها بدون تحقيق ولا تمحيص أو مشيا مع الأهواء. اما ان يصدر مثل ذلك من مثل الدكتور طه حسين من البعيدين عن حالات أولئك كل البعد وليسوا من مسلكهم في خل ولا خمر فهو امر يحق ان يعجب منه كما قال أمير المؤمنين ع: هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها. متى سمع الدكتور طه حسين شيعيا أو رأى في كتاب للشيعة أو قرأ له قارئ في كتبهم ان الشيعة تدين بالتناسخ أو بالحلول بل متى رأى ذلك العالم من أهل السنة منصف متحر لحقائق الأمور اللهم لا. ومن قال نعم فقد أبطل وافترى بلى يجوز ان يكون سمع ذلك في كتاب بعض المتعصبين الذين لا يبالون ان يلصقوا بالشيعة كل نقص كذبا وزورا فالشيعة في كل عصر وزمان وفي كل قطر ومصر ومكان تبرأ إلى الله ممن يقول بالتناسخ أو الحلول وتكفره وتعتبره خارجا عن دين الاسلام. وان تعجب فعجب ان يكون أمثال الدكتور طه حسين ممن يريد تحري الحقيقة يلقي كلاما لا نصيب له في الصدق تقليدا لمن لا خلاق لهم ويرسله ارسال المسلمات اما قوله وليس بين أهل الأدب من يجهل ما كان من سخافات السيد الحميري وكثير فنقول ليس بين أهل العقل فضلا عن أهل الأدب من يجهل ان نسبة السخافة إلى السيد الحميري وكثير من أسخف السخافات فالسيد الحميري نادرة من نوادر الدهر في علمه وفضله وشعره وقوة حجته ولا يدانيه ولا يقف أمامه أحد من هؤلاء الذين ظهروا في هذه الأعصار