فحاصرها ومن ذلك مغارة غامضة المسلك وبابها في وسط جبل شاهق لا يهتدي أحد اليه وسقفها من الصخر فامر بصنع توابيت على هيئة الدبابات وشحنها بالرجال ودلاها بالسلاسل حتى حاذت باب المغارة، فعلق أحدهم واسمه لهراسب كلابا ببابها وفتحه ودخلوها. ثم قصد قلعة لهم حصينة وحولها جروف وجبال، ولا يمكن دخولها الا من مكان واحد عليه جسر، فنصب خيامه قريبا منها لأنه لا يمكن النزول حولها، فكان أهلها يرفعون الجسر بالنهار ويتركونه بالليل ويخرجون لبعض حوائجهم، فلما يتمكن من فتحها وعزم على الرحيل عنها، وكان في عسكره شابان شجاعان فظفر أحدهما برجل من العدو فقتله وأتى برأسه إلى تيمور فأراد رفيقه واسمه بير محمد ولقبه قنبر ان يفعل فعلا يفوق فعل رفيقه، فحمل سلاحه وذهب ليلا إلى القلعة واختبأ في مكان وراقب رفع الجسر، فلما طلع الفجر أرادوا رفعه بالحبال فطفر بير محمد اليه وقطع الحبال ومنعهم من رفعه وناوشهم القتال حتى تعالى النهار وهم يرمونه ويرميهم فرآه تيمور من خيمته وهي في مكان عال فأرسل اليه الرجال فلما رآهم قوي، وتواثب أهل الحصن ليدخلوا ويغلقوا الباب فوثب معهم وصار داخل الباب ومنعهم من غلقه فجاء أصحابه ودخلوا الحصن. ووجد في بير محمد ثمانية عشر جرحا فامر تيمور الأطباء بمداواته وجعله من قواده. فلما فتح تيمور المغارة والحصن وهن عزم الكرج وطلبوا الأمان واستشفعوا بالشيخ إبراهيم حاكم شروان فشفعه فيهم، ثم رحل وأكمل شتويته في قراباع، وذلك سنة 806. وفي التاريخ الفارسي وفي 9 ذي القعدة سنة 806 ذهب إلى فيروزكوه وفي يوم واحد فتح قلعته وذهب من فيروزكوه في طلب إسكندر الشيخي الذي كان مفسدا في تلك الولاية، وسار بعسكر وجاء إلى رستمدار ونزل في حدود هرسين من توابع تنكان وقبض على إسكندر الشيخي، وجاء من هناك إلى ولاية لاريجان وعاد إلى فيروزكوه ثم ذهب إلى جهة خراسان.
مسيره من بلاد الكرج إلى بلاده في عجائب المقدور ثم سار بجيوشه من بلاد الكرج قاصدا سمرقند حتى قطع ولايات آذربيجان ووصل خراسان وفي خدمته ملوك الأقاليم، وحضرت لاستقباله الملوك والعلماء والكبراء من كل ناحية حتى وصل جيحون وقد أعدت له السفن فعبره، وخرج أهل سمرقند لاستقباله فدخلها أوائل سنة 807، وأذن للعساكر فتفرقت.
تفقده أحوال البلاد قال ثم جعل يتفقد ما حدث في غيبته من أمور الرعية ويدبر مصالحهم ويراعي أحوال الصغير والكبير والغني والفقير ويضع الأشياء في محلها ويعطي الولايات لأهلها ويربي السادات ويبجل العلم وأهله ويقطع دابر المفسدين ويخنق الزاني ويصلب السارق.
تزويج حفيده أولوغ بيك ثم شرع في تزويج أولوغ بيك واسمه محمد ابن شاهرخ بن تيمور، قال ابن عربشاه وهو في يومنا هذا سنة 840 حاكم سمرقند من قبل أبيه فامر أهلها بالزينة وأحسن إليهم، وسنذكر ذلك مفصلا في ترجمته إن شاء الله تعالى في باب محمد. وفي التاريخ الفارسي وفي غرة المحرم سنة 807 توجه من نيشابور إلى ما وراء النهر حتى وصل إلى حدود سمرقند.
وهناك أمر بتزويج أحفاده من بنات أعمامهن وعزم من هناك على الذهاب لفتح ممالك الخطا وكان الفصل شتاء فتوفي في التاريخ المتقدم.
كيفية وفاة تيمور عن المنهل الصافي أنه خرج من سمرقند في رجب سنة 807 قاصدا بلاد الصين والخطا وقد اشتد البرد حتى نزل على سيحون وهو جامد فعبره ومر سائرا واشتد عليه وعلى من معه الرياح والثلج وهلكت دوابهم وتساقط الناس هلكى. وهو مع ذلك يجد في السير. فلما وصل إلى مدينة اترار امر ان تستعمل له أدوية حارة لدفع البرد فاثرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السير السريع واطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب. وهو مطروح مدة ثلاثة أيام وصار يضطرب ولونه يحمر إلى أن مات بالتاريخ المتقدم وهو نازل بضواحي أترار. ولم يكن معه من أولاده سوى حفيده خليل بن ميران أو اميران شاه ابن تيمور. فملك خزائن جده وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمة جده إلى أن دفنه على حفيده محمد سلطان ابن جهانكير بن تيمور بمدرسته. وعلق بقبته قناديل الذهب من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال دمشقية. وتقصد تربته بالنذور للتبرك من البلاد البعيدة. وإذا مر على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه اجلالا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة. وفي البدر الطالع مات وهو متوجه لأخذ بلاد الخطا بسبب ثلوج نزلت مع شدة برد. وكان لا يسافر في أيام الشتاء فلما أراد الله هلاكه قوى عزمه على هذا السفر ولم يكن معه من بنيه وأحفاده سوى حفيده خليل بن ميران شاه ابن تيمور فاتفق رأيهم على استقرار خليل المذكور في السلطنة مع كون أبيه وعمه موجودين. وبذل لهم أموالا عظيمة ورجع إلى بلاده سمرقند فإنها كانت كرسي مملكة تيمور فلما قرب منا تلقاه من بها وعليهم ثياب الحداد وهم يبكون وجثة تيمور في تابوت آبنوس وجميع الملوك والأمراء مشاة مكشوفة رؤوسهم وعليهم ثياب الحداد حتى دفنوه وأقاموا عليه العزاء أياما انتهى.
أولاده في التاريخ الفارسي أربعة أولاد أولهم غياث الدين جهانكير توفي في سمرقند في أوائل سلطنة أبيه سنة 776 وولد له ولدان الأول محمد سلطان الذي كان قد جعله الأمير تيمور ولي عهده، وتوفي في 17 شعبان سنة 805 بعد فتح الروم في سور قلعة الروم والثاني بير محمد جعله ولي عهده بعد موت أخيه ووصي له بالسلطنة في مرض موته ووصى الأمراء الذين كانوا معه بإطاعته وكان حاكم غزنة في ذلك الوقت، وقتل في 14 رمضان سنة 809 بيد أحد أمرائه بير علي، ثانيهم معز الدين عمر شيخ الذي كان حاكم بلاد فارس أصابه سهم في حياة أبيه تحت قلعة جورباي فمات سنة 796، فأقام تيمور مقامه ابنه بير محمد بن عمر شيخ، ثالثهم جلال الدين ميران شاه، أعطاه أبوه العراقين وديار بكر إلى حدود الروم والشام، قتل في حرب له مع قرا يوسف في آذربايجان بعد وفاة أبيه سنة 810، رابعهم معين الدين شاهرخ انتهى ويأتي ذكر كل منهم في محله إن شاء الله تعالى، وفي شذرات الذهب خلف من الأولاد ميران شاه، والقان معين الدين شاهرخ صاحب هراة، وبنتا يقال لها سلطان بخت وعدة أحفاد انتهى.
وبعد كتابة ما تقدم وطبعه عثرنا على كتاب في سيرة تيمور لنك تاليف