592: أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمد بن إسحاق الراوندي المعروف بابن الراوندي من أهل مرو الروذ في خراسان ولد حدود سنة 205 وتوفي سنة 245 برحبة مالك بن طوق التغلبي وقيل ببغداد وتقدير عمره أربعون سنة كذا ذكر وفاته المسعودي وابن خلكان وحكى الثاني عن البستان أنه توفي سنة 250 وفي رسالة عندي في وفيات العلماء في كل فن لا أعرف مؤلفها أنه توفي سنة 243.
والراوندي نسبة إلى راوند بفتح الراء والواو بينهما ألف وسكون النون بعدها دال مهملة قرية من قرى قاشان بنواحي أصبهان بناها راوند الأكبر بن الضحاك بيوراسب.
أقوال العلماء فيه قال ابن خلكان: كان من الفضلاء في عصره له مقالة في علم الكلام وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام وقد انفرد بمذاهب نقلها أهل الكلام عنه في كتبهم انتهى وفي تكملة فهرست ابن النديم من الطبعة المصرية: ابن الراوندي قال أبو القاسم البلخي في كتاب محاسن خراسان أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمد بن إسحاق الراوندي من أهل مرو الروذ ولم يكن في نظرائه في زمنه احذق منه بالكلام ولا اعرف بدقيقه وجليله انتهى وهذه شهادة من أبي القاسم البلخي وهو من شيوخ المعتزلة وعداوة المعتزلة لابن الراوندي معروفة بسبب انه كان منهم ثم أظهر مذهب الشيعة خصومهم وألف في الرد على المعتزلة وهجن مذهبهم كما يأتي وكان ابن الراوندي معاصرا لأبي عيسى الوراق وعلى قول أبي الحسين الخياط أنه كان من تلامذة أبي عيسى. وفي الرياض في أبي عيسى الوراق محمد بن هارون: قال بعض فضلاء أهل السنة في كتابه أن دعوى النصر الجلى على خلافة علي مما وضعه هشام بن الحكم ونصره ابن الراوندي وأبو عيسى الوراق الخ. وفي موضع آخر من الرياض: كان ابن الراوندي بزعم العامة أول من أبدع القول بالنص الجلي على امامة علي ع ونقل الرواية عليه انتهى. وكان ابن الراوندي من المتكلمين المعروفين وكان في أول أمره من المعتزلة وألف كتبا على طريقة المعتزلة وتقرير عقائدهم ثم أظهر مذهب الشيعة الإمامية وألف كتبا على طريقتهم ككتاب الإمامة وغيره وكتاب معجزات الأئمة الآتي اليه الإشارة إذا صحت نسبته اليه وأجاد في تأليف تلك الكتب وجمع فيها من الأدلة وآراء الكلاميين لتأييد عقيدة الشيعة خصوصا في مسالة الإمامة ما كان للشيعة منه ماخذ كبير في تلك الأيام. وألف كتبا في الرد على المعتزلة ككتاب فضيحة المعتزلة وغيره ولما كان عارفا بآرائهم على الوجه الأكمل لأنه كان منهم ومؤلفا لهم وكاتبا مجيدا جاءت كتبه في نهاية الجودة.
القدح فيه نسبت اليه كتب نسب بسببها إلى الالحاد ورد عليها جماعة ونقض هو بعضها وسيأتي اعتذار المرتضى عنها، ونقضه لها اما لأنه من أول الأمر لم يكن معتقدا بها أو ظهر له فسادها أو تاب منها وربما يؤيده حكاية خصمه أبي القاسم البلخي فيما سبق عن جماعة أنه تاب عند موته مما كان منه وراد في تحامل من تحامل عليه من المعتزلة وبعض الأشاعرة نصرته مذهب الشيعة بعد ما كان من المعتزلة فنسب إلى الزندقة والالحاد ووجد خصومه ما يقوي دعواهم ويعضدها من الكتب المنسوبة اليه والله أعلم بحقيقة امره. وعلماء الشيعة مختلفون في أمره والذي دافع عنه في قبال المعتزلة هو السيد المرتضى في كلامه الآتي ويأتي قول ابن شهرآشوب انه مطعون فيه وألف أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي وخاله أبو سهل إسماعيل بن علي كتبا في نقض بعض مقالات ابن الراوندي وأشار المرتضى في الشافي في باب الإمامة إلى نقض بعض أدلة ابن الراوندي. وفي تتمة كلام أبي القاسم البلخي المتقدم: وكان في أول امره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء ثم انسلخ من ذلك كله بأسباب عرضت عليه ولأن علمه كان أكثر من عقله وكان مثله كما قال الشاعر:
ومن يطيق مزكى عند صبوته * ومن يقوم لمستور إذا خلعا قال وقد حكي عن جماعة انه تاب عند موته مما كان منه وأظهر الندم واعترف بأنه انما صار ما صار اليه حمية وانفة من جفاء أصحابه وتنحيتهم إياه من مجالسهم وأكثر كتبه الكفريات الفها لأبي عيسى بن لاوي اليهودي الأهوازي وفي منزل هذا الرجل توفي انتهى.
قال المؤلف: اما ان سبب تركه لمذهب المعتزلة واظهاره الاعتقاد بمذهب الشيعة وتأليفه لنصرة مذهبهم هو طرد المعتزلة له فأراد ارغامهم بنصرة مذهب الشيعة فلم يأت إلا من جهة المعتزلة كأبي القاسم البلخي وأبي الحسين الخياط وغيرهما وقولهم في حقه غير مقبول فان الخصومة والعداوة تمنع قبول الشهادة وظاهر حاله أن رده عليهم وتأييده مذهب الشيعة ناشئ عن عقيدة على أن قولهم هذا ناشئ عن الظن والتخمين والاطلاع على السرائر متعذر لغير علام الغيوب وأما الكتب المنسوبة اليه فيأتي عن المرتضى العذر عنها وأنه كان يتبرأ منها براء ظاهر وإن جلها قد نقضه على نفسه وقد سمعت نقل البلخي عن جماعة أنه تاب منها عند موته وقد شنع المعتزلة على ابن الراوندي كثيرا منهم القاضي عبد الجبار بن أحمد الأسدآبادي الهمذاني صاحب كتاب المغني الذي صنف السيد المرتضى كتاب الشافي للرد عليه فإنه قال في مقام الرد على الشيعة في كتابه المذكور على ما حكاه عنه المرتضى في الشافي. قال حاكيا عن شيخه أبي علي الجبائي أن أكثر من نصر هذا المذهب كان قصده الطعن في الدين والاسلام فجعل هذه الطريقة سلما إلى مراده نحو هشام بن الحكم وطبقته ونحو أبي عيسى الوراق وأبي حفص الحداد وابن الراوندي وبين شيخنا أبو علي أنهم تجاوزوا ذلك إلى ابطال التوحيد والعدل إلى أن قال وأما حال ابن الراوندي في نصرة الالحاد وأنه كان يقصد بسائر ما يؤلفه إلى التشكيك فظاهر وربما كان يؤلف لضرب من الشهرة والمنفعة الخ قال المرتضى ونحن مبينون عما في كلامه من الخطا والتحامل إلى أن قال فاما ابن الراوندي فقد قيل إنه عمل الكتب التي شنع بها عليه معارضة للمعتزلة وتحديا لهم لأن القوم كانوا أساؤوا عشرته واستقصوا معرته فحمله ذلك على اظهار هذه الكتب ليبين عجزهم عن استقصاء نقضها وتحاملهم عليه في رميه بقصور الفهم والغفلة وقد كان يتبرأ منها تبرأ ظاهرا وينتفي من عملها ويضيفها إلى غيره وليس يشك في خطئه بتأليفها سواء اعتقدها أم لم يعتقدها وما صنع ابن الراوندي من ذلك الا ما قد صنع الجاحظ مثله أو قريبا منه ومن جمع بين كتبه التي هي العثمانية والمروانية والفتيا والعباسية والامامية وكتاب الرافضة والزيدية رأى من التضاد واختلاف القول ما يدل على شك