لقدرها وسوف اقبل منك ما يفي بهذا المال ويزيد، وهو كتاب يوجد بالعراق فيه مكارم الأخلاق وعلوم الآفاق من كتب عظيم الفرس يوجد في الخزائن تحت الإيوان بالمدائن فلما قدم المأمون بغداد واستقرت به دار ملكه اقتضاه ذوبان حاجته فامر بان تكتب الصفة ويذكر الموضع فكتبه ذوبان وعين الموضع وقال إذا بلغت الحجر ووصلت إلى الساجة فاقلعها تجد الحاجة فخذها ولا تعرض لغيرها فيلزمك غب ضيرها، فوجه المأمون في ذلك رسولا حصيفا فوجد هناك صندوقا صغيرا من زجاج اسود وعليه قفل فحمله ورد الحفرة إلى حالها. قال: فحدثني الحسن بن سهل قال إني عند المأمون إذ ادخل ذلك الصندوق فجعل يعجب منه، ثم دعا بذوبان فقال هذه بغيتك؟ قال نعم! قال خذه وانصرف ولا تظنن ان الرغبة فيما لعله يوجد فيه حملتنا على مسألتك فتحه بين أيدينا فقال أيها الملك لست ممن تنقض رغبته ذمام عهده، ثم فتح القفل وادخل يده فاخرج خرقة ديباج ونثرها فسقط منها أوراق فعدها فإذا هي مائة ورقة ثم نفض الصندوق فلم يكن فيه سوى الأوراق، فرد الأوراق إلى الخرقة وحملها ونهض، ثم قال أيها الملك هذا الصندوق يصلح لجنبات خزانتك فامر به فرفع. قال الحسن بن سهل: فقلت يرى أمير المؤمنين ان أسأله ما في الكتاب؟ فقال يا حسن! أفر من اللؤم ثم ارجع اليه! فلما خرج صرت اليه في منزله فسألته عنه فقال هذا كتاب جاويدان خرذ اخرجه كنجور وزير ملك ايرانشهر من الحكمة القديمة فقلت أعطني ورقة منه انظر فيها فأعطاني فأجلت فيها نظري وأحضرت لها ذهني فلم ازدد مما فيها الا بعدا، فدعوت بالخضر بن علي وذلك في صدر النهار فلم ينتصف حتى فرع من قراءتها بينه وبين نفسه وانا اكتب حتى اخذت منه نحوا من ثلاثين ورقة وانصرفت في ذلك اليوم، ثم دخلت يوما عليه فقلت يا ذوبان! هل يكون في الدنيا أحسن من هذا العلم؟ فقال لولا ان العلم مضنون به وهو سبيل الدنيا والآخرة لرأيت ان أدفعه إليك بتمامه ولكن لا سبيل إلى أكثر مما اخذت، ولم تكن الأوراق التي اخذتها على التاليف لأنها تتضمن أمورا لا يمكن اخراجها. فحدثني الحسن بن سهل قال قال لي المأمون يوما: اي كتب العرب انبل وأفضل؟ فجعلت أعدد كتب المغازي والتواريخ حتى ذكرت تفسير القرآن وقال: كلام الله لا يشبهه شئ ثم قال: اي كتب العجم أشرف؟ فذكرت كثيرا منها ثم قلت كتاب جاويدان خرذ يا أمير المؤمنين فدعا بفهرست كتبه وجعل يقلبه فلم ير لهذا الكتاب ذكرا فقال كيف سقط ذكر هذا الكتاب عن الفهرست؟ فقلت يا أمير المؤمنين هذا هو كتاب ذوبان وقد كتبت بعضه قال فائتني به الساعة! فوجهت في حمله فوافاه الرسول وقد نهض للصلاة فلما رآني مقبلا والكتاب معي انحرف عن القبلة واخذ يقرأ الكتاب وكلما فرع من فصل قال لا إله الا الله، فلما طال ذلك قلت يا أمير المؤمنين! الصلاة تفوت وهذا لا يفوت فقال صدقت! ولكني أخاف السهو في صلاتي لاشتغال قلبي، ثم صلى وعاود قراءته ثم قال أين تمامه؟ قلت لم يدفعه إلي، فقال لولا ان العهد حبل طرفه بيده الله وطرفه بيدي لاخذته منه، فهذا والله الحكمة لا ما نحن فيه من ألسنتنا في أشداقنا انتهى.
هذا ما وجدناه في النسخة في آخر المختصر المذكور من خبر هذا الكتاب فلنعد إلى ذكر المختصر وهو هذا:
بسم الله الرحمن الرحيم نتف وآداب انتخبت من كتاب جاويدان خرذ الذي ألفه أحمد بن محمد مسكويه، وهي تشتمل على حكم الفرس والروم والهند والعرب.
وصية اوشيهنج لولده وللملوك من خلفه وهذا الملك كان بعيد الطوفان وليس يوجد لمن كان قبله سيرة ولا أدب مستفاد. قال أوشيهنج! من الله المبتدأ واليه المنتهى وبه التوفيق وهو المحمود، من عرف الابتداء شكر ومن عرف الانتهاء أخلص ومن عرف التوفيق خضع ومن عرف الافضال أناب بالاستسلام والموافقة اما بعد فان أفضل ما أعطي العبد في الدنيا الحكمة وأفضل ما أعطي في الآخرة المغفرة وأفضل ما أعطي في نفسه الموعظة، وأفضل ما سال العبد العافية، وأفضل ما قال كلمة التوحيد، رأس الغنى المعرفة، وملاك العلم العمل وملاك العمل السنة، وإصابة السنة لزوم القصد، الدين بشعبه كالحصن بأركانه فإذا تداعى واحد منها تتابع بعده سائرها أعمال البر على اربع شعب العلم والعمل وسلامة الصدر والزهد. فالعلم بالسنن، والعمل بإصابة السنن وسلامة الصدر بأمانة الحسد، والزهد بالصبر جماع امر العباد في اربع خصال العلم والحلم والعفاف والعدالة، فالعلم بالخير للاكتساب وبالشر للاجتناب، والحلم في الدين للاصلاح وفي الدنيا للكرم، والعفاف في الشهوة للرزانة وفي الحاجة للصيانة، والعدالة في الرضى والغضب للقسط العلم على أربعة أوجه ان تعلم أصل الحق الذي لا تقوم الا به فروعه التي لا بد منها وقصده الذي لا نفع الا فيه.
وضده الذي لا يفسده الا هو العلم والعمل قرينان كمقارنة الروح للجسد لا ينفع أحدهما الا بالآخر الحق يعرف من وجهين ظاهر يعرف بنفسه، وغامض يعرف بالاستنباط من الدليل وكذلك الباطل أربعة أشياء يتقوى بها على العمل الصحة والغنى والعزم والتوفيق طرق النجاة ثلاثة سبيل الهدى وكمال التقوى وطيب الغذاء. العلم روح والعمل بدن.
والعلم أصل والعمل فرع.
العلم والد والعمل مولود، وكان العمل لمكان العلم، ولم يكن العلم لمكان العمل.
الغنى في القناعة، والسلامة في العزلة، والحرية في رفض الشهوة، والمحبة في ترك الطمع والرغبة، واعلم أن التمتع في أيام طويلة يوجد بالصبر على أيام قليلة الغنى الأكبر في ثلاثة أشياء نفس عالمة تستعين بها على دينك وبدن صابر تستعين به في طاعة ربك، وتتزود به لمعادك وليوم فقرك، وقناعة بما رزق الله باليأس عما عند الناس. اخرج الطمع عن قلبك تحل القيد من رجلك وتروح بذلك، الظالم نادم وان مدحه قوم، والمظلوم سالم وان ذمه قوم، والمقتنع غني وان جاع وعري، والحريص فقير وان ملك الدنيا الشجاعة سعة الصدر بالاقدام على الأمور المؤلمة والمكاره الحادثة والسخاء سماحة النفس لمستحق البذل، وبذل الرغائب الجليلة في موضعها، والحلم ترك الانتقام مع امكان القدرة والحزم انتهاز الفرصة، الدنيا دار عمل والآخرة دار ثواب، وزمام العافية بيد البلاء، ورأس السلامة تحت جناح العطب، وباب الأمن مستور بالخوف فلا تكونن في حال هذه الثلاثة غير متوقع لأضدادها ولا تجعل نفسك غرضا للسهام المهلكة فان الزمان عدو لابن آدم فاحترز من عدوك بغاية الاستعداد، وإذا فكرت في نفسك وعدوها استغنيت عن الوعظ، اجل قريب في يد غيرك، وسوق حثيث من الليل والنهار، وإذا انتهت المدة حيل بينك وبين العدة فاحتل قبل المنع، وأكرم