وليعرف ما يتكلم به فاني خالطت العلماء ولي بهم اختصاص وألفة ولي في طلب العلم طلب قديم. قال ابن الشحنة فأشاروا إلي فقال لي عبد الجبار سلطاننا يقول إنه بالأمس قتل منا ومنكم فمن الشهيد قتيلنا أم قتيلكم؟ فقلت هذا سؤال سئل عنه رسول الله ص وأجاب عنه وأنا مجيب بما أجاب به. فقال عبد الجبار يسخر من كلامي كيف سئل رسول الله ص وكيف أجاب؟ فقلت جاء أعرابي اليه فقال يا رسول الله ان الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه فأينا في سبيل الله؟ فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ومن قاتل منا ومنكم لاعلاء كلمة الله فهو الشهيد. فقال تيمور خوب خوب اي جيد جيد وقال عبد الجبار ما أحسن ما قلت. قال وتكررت الأسئلة منه والأجوبة منا، فطمع كل من الفقهاء الحاضرين وجعل يبادر إلى الجواب ويظن انه في المدرسة، والقاضي شرف الدين ينهاهم ويقول لهم بالله اسكتوا ليجاوب هذا الرجل فإنه يعرف ما يقول وكان آخر ما سال عنه ما تقولون في علي ومعاوية ويزيد؟ قال ابن الشحنة فاسر إلي القاضي شرف الدين ان اعرف كيف تجاوبه فإنه شيعي، فاسرع ابن القفصي فقال ان عليا اجتهد فأصاب فله اجران وان معاوية أجتهد فأخطأ فله اجر واحد، فغضب لذلك عضبا شديدا وقال علي على الحق ومعاوية ظالم ويزيد فاسق وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق وهم يزيديون قتلوا الحسين، فأخذت في ملاطفته.
وفي البدر الطالع كان آخر ما سألهم عنه ما تقولون في معاوية ويزيد هل يجوز لعنهما؟ فقال شرف الدين الأنصاري الشافعي ان معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابي فقال تيمور ما حد الصحابي فقال شرف الدين انه كل من رأى النبي ص، فقال تيمور فاليهود والنصارى رأوه فقال ان ذلك بشرط ان يكون الرائي مسلما، وقال شرف الدين أيضا انه رأى في حاشية على بعض الكتب انه يجوز لعن يزيد، فتغيظ لذلك. قال صاحب البدر الطالع ولا عتب عليه إذا تغيظ فالتعويل في مثل هذا الموقف العظيم في ذلك الامر الذي مما زالت المراجعة به بين أهل العلم في قديم الزمان وحديثه على حاشية وجدها على بعض الكتب مما يوجب الغيظ، سواء كان محقا أو مبطلا انتهى قال ابن الشحنة ثم طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال عن علي ومعاوية فقلت له لا شك ان الحق كان مع علي وليس معاوية من الخلفاء فإنه صح عن رسول الله ص أنه قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة وقد تمت بعلي. فقال تيمور قل علي على الحق ومعاوية ظالم، قلت قال صاحب الهداية يجوز تقلد القضاء من ولاة الجور فان كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق مع علي في نوبته، فانسر لذلك وانفتح باب المؤانسة. وقال تيمور انني رجل نصف آدمي وقد أخذت بلاد كذا وكذا وعدد ممالك العجم والعراق والهند وسائر بلاد التتر، فقلت اجعل شكر هذه النعمة عفوك عن هذه الأمة ولا تقتل أحدا، فقال و الله اني لم اقتل أحدا قصدا وانما أنتم قتلتم أنفسكم في الأبواب ووالله لا أقتل منكم أحدا وأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم.
قال ابن الشحنة وسألني تيمور عن عمري فقلت مولدي سنة 749 وقد بلغت الآن 54 سنة. وقال للقاضي شرف الدين. كم عمرك؟ قال انا أكبر منه بسنة، فقال تيمور أنتم في عمر أولادي، انا عمري اليوم 75 سنة.
وحضرت صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمنا عبد الجبار و صلى تيمور إلى جانبي قائما يركع ويسجد، ثم تفرقنا ونزل تيمور من القلعة وأقام بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل ووقف سائر الملوك والنواب في خدمته.
وأقام تيمور بحلب إلى آخر ربيع الأول سنة 803 قال وأوصى بي وبالقاضي شرف الدين وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر البلد متوجها نحو دمشق وفي اليوم الثاني ارسل يطلب علماء البلد فرحنا اليه فقيل لنا انه يريد ان يستفتيكم في قتل نائب دمشق الذي قتل رسوله، فقلت هذه رؤوس المسلمين تقطع وتحضر اليه بغير استفتاء وهو حلف ان لا يقتل منا أحدا قصدا، فعاد اليه وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه فكلمه، وجاء الينا شخص بشئ من ذلك اللحم، فلم نفرغ من أكله الا وزعجة قائمة وتيمور صوته عال، وساق شخص هكذا وآخر هكذا، وجاءنا أمير يعتذر ويقول سلطاننا لم يأمر باحضار رؤوس المسلمين وانما امر بقطع رؤوس القتلى وان يجعل منها قبة إقامة لحرمته على جاري عادته ففهموا منه غير ما أراد، وانه قد أطلقكم فامضوا حيث شئتم. وولي حلب للأمير موسى بن طغاي فاخذ في الاحسان الينا وقبول شفاعتنا مدة اقامته بحلب ووضع ما أخذه من مال وسلب بالقلعة عند الأمير موسى.
سفره إلى دمشق قال ابن الشحنة وركب تيمور من ساعته وتوجه نحو دمشق وذلك في 3 ربيع الآخر سنة 803 وجاء الخبر إلى دمشق من حلب مع استنبوغا الدوادار والفتح المدعو بعبد القصار فخوفا أهل دمشق وحدراهم ونصحاهم بالفرار من دمشق فاضطرب الناس وأتلفت آراؤهم فبعضهم قبل النصيحة وهرب إلى بيت المقدس أو مصر وبعضهم اتهمهما وأراد قتلهما وبعضهم بقي في البلد واستعد للقتال.
خروج الملك الناصر فرج من مصر إلى الشام لقتال تيمور ثم إن الملك الناصر فرج بن برقوق خرج من مصر بالعساكر لقتال تيمور ومعه كافله وأتابكه باش بيك فاطمأن الناس ورجع جماعة ممن كانوا خرجوا اما أهل الرأي فلم يلتفتوا إلى قدوم السلطان.
وصوله لحماه ومر تيمور بحماه. ووجد منقوشا على رخامة بالجامع النوري بحماه ما خلاصته سبب نقش هذا ان الله تعالى يسر لنا فتح البلاد والممالك حتى انتهينا إلى بغداد فأرسلنا قصادنا إلى الملك مصر بأنواع التحف والهدايا وكان قصدنا ان تتأكد الصداقة بيننا فقتل قصادنا من غير موجب ثم قبض التراكمة على أناس من جهتنا وأرسلهم إلى سلطان مصر برقوق فسجنهم وضيق عليهم فلزم من هذا انا توجهنا لاستخلاص متعلقينا من أيدي مخالفينا واتفق لذلك نزولنا بحماه في العشرين من ربيع الاخر سنة 803.
وصوله إلى حمص ومر بحمص فلم يتعرض لها بشئ ونادى بالأمان وكذلك في عوده من دمشق لم يتعرض لحمص، ويقول ابن عربشاه انه وهبها لخالد بن الوليد أقول بل الظاهر أن أهلها أطاعوه فلم يتعرض لهم بخلاف غيرها، وخرج اليه رجل يدعى عمر البرواس فقدم له هدية وتوسل اليه فولاه البلد وولى القضاء شمس الدين بن الحداد.