فإن قلت: إن الشارع إذا أمر بالصلاة اليومية ثم أمر ندبا بالجماعة فهو راجع إلى أن الشخص مخير بين أن يصلي منفردا فيقرأ لنفسه وبين أن يصلي جماعة فيجتزئ بقراءة الإمام، فهو مخير بين فعل القراءة وفعل ما تسقط معه، فإذا تعذر القراءة وجب البدل.
قلت: التخيير بين الانفراد والجماعة ليس تخييرا بين فعل القراءة وفعل ما تسقط معه، بل الجماعة والانفراد صفتان لأصل الصلاة، والتخيير بينهما باق بحاله بالنسبة إلى هذا العاجز أيضا، فإنا نقول أيضا بأنه مخير بين الانفراد والجماعة، والخصم يمنع من بقاء الانفراد له، نظرا إلى عجزه عن أحد طرفي التخيير وهو الانفراد مع القراءة الصحيحة لنفسه، ونحن نمنع من اعتبار القراءة مطلقا في أحد طرفي التخيير وهو الانفراد، بل نخصصه بصورة القدرة، فصلاة الجماعة ليست بدلا عن الانفراد المجامع للقراءة الصحيحة، بل بدل عن الانفراد المعتبر فيه القراءة مع القدرة.
اللهم إلا أن يقال: إن عموم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " يدل على بطلان الصلاة بدون الفاتحة خرج منه العاجز عن القراءة والائتمام معا قطعا، فبقي الباقي ومنه العاجز عن القراءة القادر على الائتمام.
لكن الإنصاف: أن العموم المذكور - مضافا إلى توقفه على عدم الانصراف الموجود فيما نحن فيه، لظهور انصرافه إلى صورة القدرة - مخصص بما دل على سقوط القراءة عن العاجز مثل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في مسألة القراءة، الدالة على " أن الله إنما فرض من الصلاة الركوع والسجود، ألا ترى أن رجلا لو دخل في الإسلام ولم يعرف القراءة أجزأه التسبيح " (1).