الناس؟ فقال العلماء، قيل: فمن الملوك؟ قال قيل الزهاد، فمن الاشراف؟ قال المتقون، قيل فمن الغوغاء؟ قال القصاص قيل فمن السفل؟ قال الظلمة. كان خالد بن عبد الله القسري لا يحتجب، كما يحتجب الامراء، ويقول: لا يحتجب الوالي الا لثلاث خصال: اما رجل عيي يكره ان يطلع الناس على عيه، واما رجل مشتمل على سوأة فهو يكره ان يرى الناس منه ذلك واما رجل بخيل يكره ان يسال. كتب عمر بن الخطاب إلى ابنه: اتق الله فإنه لا عمل لمن لا نية له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا حرمة لمن لا دين له. وقال: النساء عورات فاستروهن بالبيوت، وداووا ضعفهن بالسكوت، وأخيفوهن بالضرب، وباعدوهن من الرجال، ولا يسكنوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعودوهن العري فإنهن إذا عرين لم يخرجن من بيوتهن، وأكثروا عليهن من قول لا، فان نعم يغريهن بالمسألة. وقال غيره: الايادي ثلاث يد بيضاء وهي الابتداء بالمعروف، ويد خضراء وهي طلب المكافاة، ويد سوداء وهي المن بالمعروف.
قال محمد بن واسع لصديق له رآه حريصا على الدنيا: يا أخي! أنت طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد كفيته، وكأنك بما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه كأنك لم تر حريصا محروما، ولا زاهدا مرزوقا. وقال عمر بن الخطاب: كفى بك عيبا ان يبدو لك من أخيك ما يخفى عليك من نفسك، أو تؤذي جليسك فيما لا يعنيك، أو تعيب شيئا وتأتي مثله. وقال غيره: أول العلم الصمت والاستماع ثم الحفظ ثم المذاكرة، ثم التعليم، ثم النشر، من عاش متعلما مات عالما. وقال أبو عمرو بن العلاء: كل شئ طلبته في وقته فقد فات وقته، وقال: صاحب الصمت لا يجوز نفعه نفسه، وصاحب النطق يتكلم فينفع نفسه وغيره. وقال المسيح ع ما زهد في الدنيا من جزع من المصائب فيها. وقال أيضا: حتى متى تصفون الطريق للمدلجين! وأنتم مقيمون في محلة المتحيرين تصفون من البعوض شرابكم، وتبتلعون الجمال بأحمالها، ان الزق إذا نغل لم يصلح ان يكون وعاء للعسل، وان قلوبكم قد نغلت فلا تصلح للحكمة، وكم مذكر بالله ناس الله، وكم مخوف بالله جرئ على الله وكم داع إلى الله هارب من الله، وكم تال لكتاب الله منسلخ من آيات الله. أمر بعض الملوك ان يستخرج له كلمات من الحكمة ليعمل بها، فاستخرجت له أربعون ألف كلمة فاستكثرها فاختير منها أربعة آلاف كلمة، ثم لم يزل ينقص منها حتى رجعت إلى اربع كلمات وهي: لا تثقن بامرأة، لا تحملن معدتك فوق طاقتها، احفظ لسانك، خذ من كل شئ ما كفاك. وقال الصادق ع: اني لاملق فأتاجر الله بالصدقة فاتسع. قيل للحسن بن صالح لم لا تخضب؟ فقال: الخضاب زينة ونحن في مأتم. وقال أبو خازم: الدنيا جيفة فان رضيت بها فاصبر على مقارنة الكلاب فيها. وقال آخر: اتقوا الله عباد الله فإنه ليس يتمنى المتقدمون قبلكم الا المهل المبسوط لكم، يا قوم استغنموا نفس الاجل، وامكان العمل واقطعوا ذكر المعاذير والعلل، فإنكم في اجل محدود ونفس معدود وعمر غير ممدود. اعتل بعض الزهاد فكان الناس يعودونه فقال يوما: اللهم كما أنسيتني الناس فأنسهم إياي.
ونظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى صديق له ما هو فيه من الضر والإضافة فقال يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك. قال مبارك بن فضالة:
سمعت الحجاج يقول في خطبته: ان الله عز وجل أمرنا بطلب الآخرة وضمن لنا مؤونة الدنيا، فيا ليته ضمن لنا الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا، قال فذكرت ذلك للحسن البصري فقال ضالة مؤمن عند فاسق فخذها.
هذا آخر ما وجدناه في كتاب أحمد بن مسكويه وكانت النسخة التي نقلنا عنها ناقصة ونقصانها نحو من صفحة أو أقل إلى ورقة.
المراسلة بينه وبين بديع الزمان الهمذاني قال ياقوت في معجم الأدباء: وللبديع الهمذاني إلى أبي علي مسكويه يعتذر من شئ بلغه عنه بعد مودة كانت بينهما:
ويا عز ان واش وشى بي عندكم * فلا تمهليه ان تقولي له مهلا كما لو وشى واش بعزة عندنا * لقلنا تزحزح لا قريبا ولا اهلا بلغني أطال الله بقاء الشيخ ان قيضة كلب وافته بأحاديث لم يعرها الحق نوره، ولا الصدق ظهوره، وان الشيخ أذن لها على حجاب أذنه، وفسح لها فناء ظنه، ومعاذ الله ان أقولها، وأستجيز معقولها، بلى! قد كان بيني وبينه عتاب لا ينزع كتفه ولا يجذب أنفه، وحديث لا يتعدى إلى النفس وضميرها، ولا تعرفه الشفة وسميرها، وعربدة كعربدة أهل الفضل لا تتجاوز الدلال والادلال، ووحشة يكشفها عتاب لحظة كغناء جحظة، فسبحان من ربى هذا الامر حتى صار امرا، وتأبط شرا، وأوحش حرا وأوجب عذرا، بل سبحان من جعلني في حيز العذر أشيم بارقته وأستحيل صاعقته، وانا المساء اليه والمجني عليه والمستخف به، لكن من بلي من الأعداء كما بليت، ورمي من الحسدة بما رميت، ووقف من الوجد والوحدة حيث وقفت، واجتمع عليه من المكاره ما وصفت، اعتذر مظلوما، وأحسن ملوما، وضحك مشتوما ولو علم الشيخ عدد أبناء الحدد وأولاد العد بهذا البلد ممن ليس له همة الا في شكاية أو حكاية أو سعاية أو نكاية لضن بعشرة غريب إذا بدر، وبعيد إذا حضر، ولصان مجلسه عمن لا يصونه عما رقي اليه، فهبني قلت ما حكي له أليس الشاتم من اسمع أليس الجاني من أبلغ، فقد بلغ من كيد هؤلاء القوم انهم حين صادفوا من الأستاذ نفسا لا تستفز، وحبلا لا يهز، دسوا اليه خدمه بما حرشوا به نارهم، ورد علي مما قالوه فما لبثت ان قلت:
فان يك حرب بين قومي وقومها * فاني لها في كل نائبة سلم فليعلم الشيخ الفاضل ان في كبد الأعداء مني جمرة وان في أولاد الزنا عندنا كثرة قصاراهم نار يشبونها أو عقرب يدببونها أو مكيدة يطلبونها، ولولا ان العذر اقرار بما قيل، واكره ان أستقيل، بسطت في الاعتذار شاذروانا، ودخلت في الاستقالة ميدانا لكنه امر لم أضع أوله فلا أتدارك آخره، وقد أبى الشيخ أبو محمد الا ان يوصل هذا النثر الفاتر بنظم مثله، فهاكه يلعن بعضه بعضا:
مولاي ان عدت ولم ترض لي * ان أشرب البارد لم أشرب امتط خدي وانتعل ناظري * وصد بكفي حمة العقرب بالله ما انطق عن كاذب * فيك ولا أبرق عن خلب فالصفو بعد الكدر المفترى * كالصحو بعد المطر الصيب ان اجتن الغلظة من سيدي * فالشوك عند الثمر الطيب أو نفذ الزور على ناقد * فالخمر قد تعصب بالثيب