ولعل الشيخ أبا محمد يقوم من الاعتذار بما قعد عنه القلم والبيان فنعم رائد الفضل هو والسلام. فورد الجواب من أبي علي:
وإذا الواشي اتى يسعى بها * نفع الواشي بما جاء يضر فهمت خطاب الشيخ الفاضل الأديب البارع الذي لو قلت إنه السحر الحلال والعذب الزلال لنقصته حظه ولم أوفه حقه، فاما البلاغات التي أوما إليها فوالله ما أذنت لها ولا أذنت فيها وما أذهبني عن هذه الطريقة وأبعدني عنها، وقد نزه الله لساني عن الفحشاء وسمعي عن الاصغاء وما يتخذ العدو بينهما مجالا. واما الأبيات فقد تكلفت الجواب عنها لا مساجلة له، ولكن لأبلغ المجهود في قضاء حقه:
يا بارعا في الأدب المجتنى * منه ضروب الثمر الطيب لو قلت إن البحر مستغرق * في بحرك الفياض لم اكذب إذا تبوأت محلا لما * نزلت الا منزل الكوكب احمدتني الشعر واعتبتني * فيه ولم أذمم ولم أعتب والعذر يمحو ذنب فعاله * فكيف يمحوه ولم يذنب انا الذي آتيك مستغفرا * من زلة لم تك من مذهبي وأنت لا تمنع مستوهبا * مالا فهب ذنبا لمستوهب نسخة وصية أبي علي مسكويه أوردها ياقوت في معجم الأدباء: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما عاهد عليه أحمد بن محمد وهو يومئذ آمن في سربه، معافى في جسمه عنده قوت يومه لا تدعوه إلى هذه المعاهدة ضرورة نفس ولا بدن، ولا يريد بها مراءاة مخلوق ولا استجلاب منفعة، ولا دفع مضرة منهم، عاهده على أن يجاهد نفسه، ويتفقد أمره فيعف ويشجع ويحكم وعلامة عفته ان يقتصد في مآرب بدنه حتى لا يحمله الشره على ما يضر جسمه، أو يهتك مروءته، وعلامة شجاعته ان يحارب دواعي نفسه الذميمة حتى لا تقهره شهوة قبيحة ولا غضب في غير موضعه. وعلامة حكمته ان يستبصر في اعتقاداته حتى لا يفوته بقدر طاقته شئ من العلوم والمعارف الصالحة ليصلح أولا نفسه ويهذبها ويحصل له من هذه المجاهدة ثمرتها التي هي العدالة وعلى ان يتمسك بهذه التذكرة، ويجتهد في القيام بها والعمل بموجبها وهي خمسة عشر بابا، ايثار الحق على الباطل في الاعتقادات، والصدق على الكذب في الأقوال، والخير على الشر في الافعال، وكثرة الجهاد الدائم لأجل الحرب الدائم بين المرء وبين نفسه، والتمسك بالشريعة ولزوم وظائفها، وحفظ المواعيد حتى ينجزها وأول ذلك ما بيني وبين الله عز وجل، قلة الثقة بالناس بترك الاسترسال، محبة الجميل لأنه جميل لا لغير ذلك الصمت في أوقات حركات النفس للكلام حتى يستشار فيه العقل، حفظ الحال التي تحصل في شئ حتى يصير ملكة ولا يفسد بالاسترسال، الاقدام على كل ما كان صوابا، الاشفاق على الزمان الذي هو العمر فيستعمل في المهم دون غيره، ترك الخوف من الموت والفقر لعمل ما ينبغي، وترك التواني، ترك الاكتراث لأقوال أهل الشر والحسد لئلا يشتغل بمقابلتهم، وترك الانفعال لهم، حسن احتمال الغنى والفقر والكرامة والهوان بجهة وجهة، ذكر المرض وقت الصحة، والهم وقت السرور، والرضى عند الغضب ليقل الطغي والبغي، قوة الأمل، وحسن الرجاء، والثقة بالله عز وجل، وصرف جميع البال اليه انتهى.
أشعاره أورد الثعالبي في تتمة اليتيمة قسما صالحا من شعره فمنه قوله في ابن العميد حين دخل عليه وقد انتقل إلى قصر جديد قال: ووقعا في اليتيمة بلا ثالث:
لا يعجبنك حسن القصر تنزله * فضيلة الشمس ليست في منازلها لو زيدت الشمس في أبراجها مائة * ما زاد ذلك شيئا في فضائلها وقال يشكو نائبات الدهر:
من عذيري من حادثات الزمان * وجفاء الاخوان والخلان وله من قصيدة في عميد الملك تفنن فيها وهناه باتفاق الأضحى والمهرجان في يوم وشكا سوء أثر الهرم وبلوغه أرذل العمر:
قل للعميد عميد الملك والأدب * أسعد بعيديك عيد العجم والعرب هذا يشير بشرب ابن الغمام ضحى * وذا يشير عشيا بابنة العنب ومنها:
خلائق خيرت في كل صالحة * فلو دعاها لغير الخير لم تجب هي التي غمستني في مودته * بالجسم والروح أفديهن لا بأبي أعدن شرح شباب لست أذكره * بعدا وردت علي العمر من كثب فطاب لي هرمي والموت يلحظني * لحظ المريب ولولاهن لم يطب فان تمرس بي خصم تعصب لي * وان أساء إلي الدهر أحسن بي أدركت بالقلم الخطي من قصب * ما ليس يدرك بالخطى والقضب ونلت بالجد والجد اللذين هما * أمنيتا كل نفس كل مطلب فلو أدرت رحى الدنيا مفوضة * إليك أقطارها دارت بلا قطب وقد بلغت إلى أقصى مدى عمري * وكل غربي واستأنست بالنوب إذا تملأت من غيظي على زمني * وجدتني نافخا في جذوة اللهب ما الدهر الا كيوم واحد غده * كامس يومك والماضي كمرتقب فان تمنيت عيش الدهر اجمعه * وان تعاين ما ولى من الحقب فانظر إلى سير القوم الذين مضوا * والحظ كتايبهم من باطن الكتب تجد تفاوتهم في الفضل مختلفا * وان تقاربت الأحوال في النسب هذا كتاج على رأس تعظمه * وذاك كالشعر الجافي على الذنب والناس في العين أشباه وبينهم * ما بين عامر بيت الله والخرب في العود ما يقرن المسك الذكي به * طيبا وفيه لقى ملقى مع الحطب لا تطلبوا المال من حول ومن حيل * فربما جاء مطلوب بلا طلب يأتي الفتى رزقه المقسوم عن سبب * باد تراه وقد يأتي بلا سبب واستخصموا الفلك الدوار يلقكم * بحجتي رغب ان شاء أو رهب أراه يسكن عني وهو يركض بي * ركض الفوارس بالتقريب والخبب كالنار تأكل ما تحيا به لهما * وليس تفرق بين النبع والغرب أصبحت أجرد والأحداث تجردني * دأب الجراد إذا استولى على العشب وصرت دينا على الدنيا لآخرتي * رسل المنايا تقاضاها وتمطل بي قاسيت أحوال هذا الدهر مرتكبا * أهوالها وصريعا غير مرتكب ومن تعود عض السيف هامته * هانت على أليتيه عضة القتب قال وهي طويلة وكأنه جمع احسانه فيها انتهى وأورد منها في مجموعة الأمثال خمسة أبيات وهي: هذا كتاج البيت. في العود