بداهة أن دليل الضمان يقتضي الضمان بالعين ابتداء ومع عدم التمكن من أداء العين فيقتضي الضمان بالمثل ثم الضمان بالقيمة، وعليه فيثبت للبدل كلما ثبت للأصل لا أنه يحكم في البدل بوجوب الدفع فورا، بل السيرة أيضا تقتضي ذلك الحكم، فإنها قائمة على أنه ليس للمشتري قبل أن يعطي الثمن أن يطالب المثمن من البايع بل يضحك عليه لو فعل ذلك.
وأما لو كان المتلف هو الأجنبي فيكون المشتري مخيرا بين أن يرجع إلى البايع أو إلى المتلف كما في تعاقب الأيدي في الغصب، أما إلى البايع فلأنه لم يقبض ماله بعد، وأما إلى المتلف فلأنه أتلف ماله، وأما التخيير بين الانفساخ والرجوع إلى القيمة، فقد تقدم أنه غير معقول كما هو واضح.
وقد اتضح لك مما ذكرناه من جعل الدليل على كون ضمان التالف على من تلف العوض عنده، أنه لا يفرق في ذلك بين الثمن والمثمن ولا بين البيع وبقية المعاملات المعاوضية، وإن ذكر المصنف أني لم أجد مصرحا بذلك، فإن السيرة جارية في كلها، فإن الغرض من المعاوضة هو الأخذ والاعطاء الذي يعبر عنه بالفارسية ب داد وستد، ويقال في العرف وبين أهل السوق أنك لم تعط لي شيئا حتى تأخذ شيئا آخر في مقابله.
وعلى الجملة فالتلف قبل القبض في جميع ذلك على حين تلف التالف عنده كما ذهب إليه المشهور، بل ذكروا المضان في صداق النكاح وعوض الخلع، ولكن وقع الكلام فيها في أن الضمان في بقية المعاملات المعاوضية هو انفساخ العقد، ومن الواضح أن النكاح والخلع غير قابلين للانفساخ، ولكن ذكر الفقهاء الضمان في ذلك.